التبعات السياسية والقانونية والمالية لمرحلة ما بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا التاريخي / الجزء الأول
بقلم : أياد السماوي …
إلى أبناء شعبنا العراقي .. اعتبارا من هذا اليوم سنبدأ بكتابة هذه السلسلة من المقالات لشرح وتوضيح أبعاد وتبعات قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم ( 59 / اتحادية / 2012 ) السياسية والقانونية والمالية .. فلا شّك أنّ هذا القرار التاريخي من الناحية السياسية لا يقلّ أهميّة عن إسقاط نظام صدام الديكتاتوري , ومن الناحية الاقتصادية لا يقلّ أهميّة عن قرار تأميم النفط عام 1972 , وهو بلا شّك ثورة على الفساد والنهب المنّظم لمال عام وثروات الشعب العراقي منذ سقوط النظام الديكتاتوري وحتى هذه اللحظة , هذا النهب الذي تواطئت وشاركت به كلّ الحكومات الفاسدة التي أعقبت سقوط الديكتاتورية .. فتحية من الأعماق لقضاء العراق ورجاله الأبطال الشجعان الميامين , وتحيّة لتلك الصفوّة من قضاة المحكمة الاتحادية العليا الذين أعادوا بهذا القرار التاريخي الأمل لشعبنا بأنّ هنالك ضوء في نهاية النفق ..
وبادئ ذي بدء أنّ ما يردّده ناهبوا ثروات العراق وماله العام ومن معهم من السمسارة وتجّار الصفقات والساسة الجبناء المتواطؤن , بأن هذا القرار سياسي ولا يقع ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا ويتعارض مع سلطات الإقليم الدستورية والقانونية , فنقول لهم أنّ المادة 13 / أولا قد نصّت على ( يُعدُ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق ، ويكون ملزماً في أنحائه كافة ، وبدون استثناء ) وكذلك نصّت المادة 13 / ثانيا على ( لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور ، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الأقاليم ، أو أي نصٍ قانونيٍ آخر يتعارض معه ) .. وهنا يبرز السؤال الآخر , من هي الجهة المخوّلة بتفسير نصوص الدستور ؟ والجواب على هذا السؤال توّضحه المادة 93 / ثانيا من الدستور نفسه المتعلّقة باختصاصات المحكمة الاتحادية العليا , حيث نصّت على ( تفسير نصوص الدستور ) , وبالتالي فإن تفسير مواد ونصوص هذا الدستور هو من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا حصرا , ولا يجوز لأيّ من السلطات الاعتراض على قرارات هذه المحكمة وذلك بموجب المادة / 94 من الدستور والتي نصّت على ( قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتّة وملزمة للسلطات كافة ) .. وبالتالي فإنّ قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم ( 59 / اتحادية / 2012 ) هو قرار بات وملزم للسلطات في حكومة الإقليم ولا يجوز الاعتراض عليه أو عدم تنفيذه , والقرار يقع ضمن اختصاصات المحكمة الحصرية , بموجب نصّ المادة 93 / رابعا ( الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية ، وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية ) .. وما جاء في قرار الحكم المتعلّق بالقضية ( 59 / اتحادية / 2012 ) المتعلّقة بالنزاع القائم بين وزارة النفط الاتحادية ووزارة الموارد الطبيعية لحكومة إقليم كردستان يقع في صلب اختصاصات هذه المحكمة , والحكم في هذا النزاع الذي امتدّ لعشر سنوات , ليس فيه اي جنبة سياسية كما تحاول الأطراف المضررّة من هذا الحكم .. أمّا من يقول أن توقيت صدور هذا الحكم في هذا الظرف الذي يمرّ فيه البلد وقبل تشكيل الحكومة غير مناسب وقد يدفع بحكومة الإقليم للانفصال عن العراق وإعلان الاستقلال , فأقول لهم أولا أن حكومة السليمانية لا تعارض قرار المحكمة الاتحادية العليا , بل هي من دعاة أن يسلّم كافة النفط المنتج في الإقليم إلى وزارة النفط الاتحادية , وثانيا أنّ حكومة أربيل لو كانت تعرف أنّ الانفصال عن العراق وإعلان الاستقلال ممكن , لأعلنت الانفصال والاستقلال منذ سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003 , ولما انتظرت موافقة بغداد على هذا الانفصال .. أمّا فيما يتعلّق بالرضوخ لهذا القرار وتنفيذه , فلا أعتقد أن حكومة الإقليم ستذهب باتجاه عدم تنفيذه .. فالقانون الذي يلزم البصرة والعمارة وكركوك والناصرية بتسليم كافة النفط والغاز المنتج فيهما إلى وزارة النفط الاتحادية , سيلزم حكومة الإقليم هي الأخرى بتسليم كافة النفط والغاز المنتج في كردستان إلى وزارة النفط الاتحادية .. وبدوري اسأل الأخوة في حكومة الإقليم وبدون تشّنج , هل يحق للبصرة التي تنتج أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا أن تمتنع عن تسليمه لوزارة النفط الاتحادية ؟؟؟ .. تابعونا في الجزء الثاني ..
أياد السماوي
في 17 / 2 / 2022