الاخبار السياسيةالمقالات

كيف يحمي العراقي عقله من الإعلام وصناعة الرأي العام؟

بقلم: الحقوقية انوار داود الخفاجي ..

لم يعد الإعلام اليوم مجرد وسيلة لنقل الأخبار كما كان في الماضي، بل أصبح لاعباً أساسياً في صناعة الرأي العام وتوجيه عقول الناس. في العراق، حيث تتعدد القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، بات الإعلام ساحة صراع كبيرة بين أطراف كثيرة، كل طرف يحاول أن يكسب المواطن إلى جانبه. وهنا تظهر أهمية وعي المواطن في التعامل مع هذا السيل من المعلومات.
منذ سقوط النظام السابق عام ٢٠٠٣ انفجرت الساحة العراقية بوسائل إعلام جديدة، بعضها مستقل، وبعضها الآخر يتبع جهات سياسية أو خارجية. ومع كثرة هذه الأصوات، صار المواطن العراقي أمام تحدٍّ كبير كيف يميز الحقيقة من التزييف؟ وكيف يعرف إن كان الخبر الذي يسمعه يهدف للتوعية فعلاً أم لخدمة أجندة خفية؟
الكثير من العراقيين اليوم صاروا أكثر حذراً في تصديق كل ما يُقال. تجارب الحروب والوعود الكاذبة والخيبات السياسية جعلت الناس أكثر واقعية. ومع ذلك، يبقى الإعلام مؤثراً بقوة، لأنه يستعمل الصور والمشاهد المؤثرة والكلمات العاطفية التي تدخل إلى العقل والوجدان بسرعة، حتى لو كان المواطن يشك فيها. ولهذا، لا يمكن الاستهانة بقدرته على تشكيل المواقف والآراء.

لكن، كيف يمكن للمواطن أن يحمي نفسه وعقله من هذا التأثير؟
أولاً: التأكد من المصدر. قبل أن نصدق خبراً أو ننشره، علينا أن نسأل من أين جاء؟ هل هو من وسيلة موثوقة أم من صفحة مجهولة على الإنترنت؟
ثانياً: المقارنة بين أكثر من وسيلة إعلامية. إذا كان نفس الخبر يُعرض بطريقة مختلفة في أكثر من قناة، فهذا مؤشر أن هناك مَن يضيف أو يحذف أو يوجه.
ثالثاً: التمييز بين الرأي والخبر. ليس كل ما يقوله الإعلامي أو المحلل حقيقة، أحياناً هو مجرد رأي شخصي أو دعاية مغلفة بكلمات جذابة.
رابعاً: ضبط النفس أمام الأخبار الصادمة. كثرة متابعة الأخبار السلبية تضعف نفسية الإنسان وتجعله سريع الانفعال. لذلك، من الضروري الموازنة بين متابعة المستجدات وبين ممارسة أنشطة أخرى تريح الذهن مثل القراءة، الرياضة، أو قضاء وقت مع العائلة.
خامساً: عدم المساهمة في نشر الشائعات. المواطن الواعي لا يضغط زر مشاركة لكل خبر يصله. بل يتأكد أولاً حتى لا يكون جزءاً من التضليل الذي يضر المجتمع كله.

المجتمع العراقي يحتاج اليوم إلى ثقافة إعلامية تُدرّس في المدارس والجامعات، لتنشئة جيل يعرف كيف يتعامل مع الإعلام بوعي ونقد. فالإعلام سيبقى موجوداً، لكن الخطر الأكبر ليس في وجوده، بل في أن نتعامل معه من دون تفكير أو تمحيص.

في الختام ، الإعلام في العراق قادر على أن يكون قوة بناء أو قوة هدم. والفيصل هنا هو وعي المواطن. فإذا كان المواطن يقظاً، ناقداً، لا يصدق كل ما يُقال، فإنه يحمي نفسه وعائلته وبيئته من التلاعب. أما إذا استسلم للتوجيه الخفي، فإنه يترك قراره للآخرين. والوعي، في النهاية، هو السلاح الأقوى في مواجهة أي إعلام موجّه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى