بقلم : سرى العبيدي …
طالبة دكتوراة
سفيرة الجمال والطفولة والثقافة الدولية ✍
بالرغم من مرور مائة وعشرون عاما هجريا على زواج ولدي الحاج ( علي أغا ) .. أغا عباس و أغا صدري على بنتي عمهما الحاج ( أسد خان ) .. إلا أنّ هذا الزواج الأشهر في تأريخ النجف قد ارتبط بحادثة شهيرة , ظلّت حديث مجالس النجف وأنشودة الصبيان لأجيال لاحقة .. حيث لا زالت ذاكرة النجفيين تحتفظ بتلك الأهازيج الشعبية التي ردّدها النجفيون والتي ارتبطت بهذا الزواج , وما تمّ نظمه من قبل شعراء الزجل الشعبي الذين حضروا في اليوم الثالث في بيت الحاج علي أغا لتناول العشاء ..
وقد نقل عن هذا الزواج الفخم والأبّهة أنّ زفاف العروسين إلى أبني عمّها قد جرى في عربة تجرّها خيول مطّهمة أسرجت بسروج من الحرير المطّرز بالقصب وألجمت بألجمة من الفضة وزيّنت العربة تزيينا بالغ فيه المتحدثون كثيرا .. وكان من ورائها آلاف من النساء والوصائف والعبيد .. فلا تبلغ العربة مفترق أحد الشوارع في المدينة وهي في طريقها إلى بيت العريسين حتى تقف ويقف الموكب كلّه ولا يتحرّك إلا بعد أن يجيء العريسان فيتنازلا للعروسين عن قطعة من أملاكهما على سبيل الترضية واشباع الدلال .. فتمشي حينذاك العربة ثم تقف عند مفترق شارع آخر ويعود العريسان مرّة أخرى فيهديان للعروسين شيء آخر .. وهكذا حتى وصل الموكب إلى بيت الزوجين ..
أمّا قصة الأهازيج التي التصقت بهذا الزواج فتتلّخص بأنّ الحاج علي أغا كان قد اقام الولائم بمناسبة زواج ولديه لجميع سكان النجف على الإطلاق ولمدّة ثلاثة أيام متتالية , خصّ اليوم الأول للعلماء والأدباء ورجال الحكومة في النجف وأطرافها .. وخصصّ اليوم الثاني للتجار والكسبة المحترمين .. أمّا اليوم الثالث فقد فتحت الأبواب على مصراعيها للجميع .. وحين وصل الخبر إلى القرى والقصبات المحيطة بالنجف , توافد الناس على بيت الحاج علي أغا زرافات زرافات .. والظاهر أنّ المشرفين على المطبخ لم يقدّروا عدد الواردين في هذا اليوم تقديرا صحيحا .. فشّحت عندهم مواد المرق .. أمّا اللحم والرز والسمن فقد كان لديهم منه الشيء الكثير .. فاستنفذوا كلّ ما استطاعوا الحصول عليه من حمص وعدس وآلوجة وبخارا وسبيناغ .. لكنّ هذا يكفي هذه الجموع المحتشدة في الشوارع والتي صارت تدخل البيت بالمئات فتتناول العشاء وتخرج ..
وأخيرا ارتأى المشرفون على المطبخ أن يستعينوا بالشلغم والجزر , من دون أن يلتفتوا أنّ النوع من المرق لم يكن مألوفا بمثل هذه المناسبات .. لذلك لم يغفر الداخلون في أواخر الليل للحاج علي أغا هذا السهو , واعتبروه إهانة للطبقة الثالثة من العمال والفلاحين والفقراء .. وكان من بين الحضور بعض شعراء الزجل الشعبي من العمال .. فلم ينفضّ هؤلاء أيديهم من العشاء حتى هزجوا وردّد معهم الآخرون ..
اطبيخنا خوش طبيخ يا حيف مرقتنا جزر …. دزوا خبر لأسد خان وزنة جزر نص قران …. مرقة جزر بيها حدار بالأنكري ما تندار … حتى تناول الموضوع أحد الأدباء البارعين بكتابة التاريخ ووضع لها تاريخا بقولة ( عشا مرقت جزر ) , أي سنة 1321 هجرية وهي السنة التي تمّ فيها الزواج ..
سرى العبيدي