اللصوص النبلاء: أدهم بن عسقلة أنموذجا
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
ما كل ما يلمع ذهباً حتى لو ابهرتنا المظاهر اللمّاعة، وربما نكتشف متاخرين ان جوهرها كان خاوياً وزائفاً ومُنتحلاً. لكننا وللأسف الشديد ننجذب في الغالب نحو المزيفين من خلال ما يبدون عليه، ثم تتلاشى قناعاتنا بهم بمجرد التعرف على حقيقتهم، تلك التي أخفتها عنا المظاهر. .
البارحة وبينما كنت اقرأ سيرة شيخ اللصوص والحرامية في العصر العباسي (أدهم من عسقلة)، الذي أوصى أتباعه وهو على فراش الموت بوصية خلدها التأريخ، قال فيها: (لا تسرقوا امرأة ولاجاراً ولانبيلاً ولا فقيراً، وإذا سرقتم بيتاً فاسرقوا نصفه، واتركوا النصف الآخر ليعتاش عليه أهله، ولا تكونوا مع الأنذال). .
فما أن قرأت هذه الوصية حتى توقدت في ذهني فكرة لكتابة مقالة أقول فيها: رحمك الله يا أدهم ابن عسقلة، لقد خذلك اللصوص بعد الألفية الميلادية الثانية، فاتخذوا من الورع والتقوى سبيلاً ومنهجاً للنهب والسلب والاستحواذ على الكنوز والبنوك والثروات، وضربوا بعرض الحائط وصيتك الرائعة، فانقلبت الأمور في زماننا رأساً على عقب، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة. .
في أيامك يا ابن عسقلة كان العهد بين اللصوص عهد شرف، فكانوا يأخذون من الغني المكتنز، ومن البخيل الممتنع عن أداء الزكاة، وساروا على نهجك ووصيتك. .
اما في عصرنا الحالي، فقد اختلط الحابل بالنابل، وظهرت علينا حيتان مخيفة من المافيات والعصابات وتجار الأزمات. وظهر علينا في الوقت نفسه بعض المسؤولين والنواب بتصريحات وبيانات زاعمين فيها الذود عن المال العام من دون إتخاذ أي إجراءات عملية تقطع دابر السرقات المليارية، فعلى الرغم من تكرار تصريحاتهم الحماسية المتوالية، لم نر أي تحسن على أرض الواقع، والمحزن بالأمر ان بعض اللصوص ارتكبوا جرائمهم وهم يتمتعون بدعم غير محدود من جهات سياسية متنفذة، فنهبوا أموالنا وعقاراتنا وممتلكاتنا من دون ان يرف لهم جفن، فكان حاميها حراميها. . .