غربة كبار السن في اليابان
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
يعتقد الكثيرون ان اليابان هي الدولة المثالية الأولى في كل المعايير والمواصفات، ويظنون ان مدنها هي المدن الفاضلة، التي حكى عنها الفيلسوف ابن طفيل في حديثه عن شخصية: (حي بن يقظان) في روايته. .
فقد وقع كبار السن في اليابان بين مطرقة الشيخوخة وسندان الوحدة. آخذين بعين الاعتبار ان أكثر من نصف كبار السن، أو 48.6٪منهم يعيشون بمفردهم. وبلغ عدد المعمرين الذين تزيد أعمارهم على 100 عام، ووصل تعدادهم إلى 71 ألفاً و238 معمراً. .
وبالتالي فان معظم هؤلاء الكهول والشيوخ يعيشون في عزلة قاتلة، الأمر الذي اضطرهم للبحث عن وسيلة تحررهم من معتقلاتهم الاختيارية وتنتشلهم من وحدتهم المنزلية الضيقة، وتفسح لهم الطريق للانتقال إلى السجون الحقيقية (الأوسع) المخصصة للمذنبين والمخالفين، والتوجه نحو دور الاصلاح المخصصة لأصحاب السوابق. فاختاروا ارتكاب الاخطاء والمخالفات القانونية المخففة، من مثل قيادة السيارات تحت تأثير الكحول، والعبث والمشاكسة أمام أنظار رجال الأمن وأمام عدسات المراقبة. حتى يضمنوا دخول السجون من أوسع ابوابها بعقوبات قد تصل إلى السجن لعام أو عامين. لأن قاعات السجون الجماعية ارحم مليون مرة من التكهف داخل بيوتهم الموحشة. فالسجون بالنسبة لكبار السن عالم آخر يضج بالنشاط والحيوية، والتعايش بين المحكومين في ضوء العلاقات الاجتماعية القائمة بينهم. حيث لا تشهد السجون اليابانية عنفًا بين السجناء. لا قتل انتقامي، ولا منغصات، لدرجة أنه عادة ما يكون هناك حارس واحد فقط لرعاية 40 نزيلاً. ويصنف السجناء حسب الجنس والجنسية ونوع العقوبة ومدة العقوبة ودرجة الجريمة والصحة البدنية والعقلية. .
وبالتالي هي أشبه بالفردوس بالنسبة لرجل كان يعيش في عزلة مرعبة. .
فالشعور بالوحدة حالة استثنائية تستدعي التواصل العميق مع الناس، وهي حالة نفسية ليس لها علاقة ببقاء الشخص وحيدا، فهناك من يعيش وحده دون أن يشكو من شيء، وغيره يشعر بوحدة شديدة وحزن كبير على الرغم من وجود الكثير من الناس حوله. .
اما بخصوص كبار السن في مجتمعاتنا العربية فلديهم تراكمات هائلة من المشاكل المعقدة، التي ليس لها حل. وستظل تطاردهم حتى بعد انتقالهم إلى الحياة الآخرة. .