اتركوا بوتين يكسب المعركة هذه المرة
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
لا يوجد منتصرون في الحروب. اما إذا كان خصمك يقف وحده، ووجدته يتحكم من بعيد بغواصة مرعبة بمستوى غواصة (يوم القيامة)، فلا مناص من التحلي بالحكمة والتعقل. والجنوح نحو السلم والتسامح، خصوصا عندما ينحصر النزاع حول خلافات تافهة مرتبطة بدخول أوكرانيا في عضوية حلف النيتو من عدمها. حينئذ يتعين على العقلاء أن يسألوا أنفسهم: هل يتعين على الشعوب تقديم ارواحها ثمناً لتسديد فاتورة انضمام أوكرانيا إلى الحلف المتصدع ؟. وهل ستتهاوى مقصلة الموت والخراب فوق رؤوس الناس إلى أجل غير مسمى بانتظار ان ينتصر حلف النيتو على بوتين ؟، أو ينتصر بوتين على النيتو ؟. .
اما الآن. وبعد ان توارت غواصة يوم القيامة عن الأنظار. واختبأت في مكان مجهول بين وديان أعماق البحر، فليس ثمة فائدة من استئناف تنفيذ الخطط الحربية مهما كانت دقتها ومهما كانت نتائجها. لأن هذه الغواصة النووية المختبئة الآن قادرة على توجيه ضربات كارثية مدمرة من مكانها السري تحت الماء إلى الأهداف التي تبعد عنها بنحو 10000 كيلومتر. أي أبعد بقليل من المسافة المحصورة بين سواحل زنجبار وسواحل الارجنتين. ولك ان تتخيل عندما ينطلق طوربيد تحت الماء، بحجم حافلة مدرسية، ليقطع المحيط الهندي كله، ثم يعبر المحيط الاطلسي من شرقه إلى غربه، ويضرب جزر الفوكلاند، ويغرقها تماماً بموجة إشعاعية ومدية كاسحة يزيد ارتفاعها على 500 متر. من دون ان يعرف الجن الأزرق من أين تسللت طوربيدات بوسيدون المدمرة. .
فالغواصة الحاملة لهذا الطوربيد الفائق السرعة تعد من أشد الأسلحة فتكاً ورعباً في العالم، وبإمكانها نسف أكبر المدن في غضون دقائق معدودات. .
فاتركوا بوتين ينتصر عليكم هذه المرة، ولا ترغموه على استخدام سبابته في الضغط على الأزرار الحمراء. .
وتذكروا ان غواصة (يوم القيامة) توصف بوحش المحيطات الذي لا يُقهر. وهي تحمل الاسم (بيلغرود كاي 329) الذي لمونساطع فك رموزه وشفرته. .
يبلغ طولها 184 متراً، وهي الأطول بلا منازع حتى الآن. سرعتها 70 عقدة (139 كم / ساعة). وزنها 30000 طناً. تعمل على عمق 100 متر. على متنها مفاعلين نوويين. تحمل حوالي 100 ميغاطن من القنابل والصواريخ النووية. وتحمل أيضاً ست غواصات نووية صغيرة بعيدة المدى. ولتلك الغواصات الصغيرة القدرة على التوجه نحو خطوط المواجهات الساحلية، والاختباء هناك لأيام طويلة بانتظار التوقيت والظرف المناسب لكي تضرب ضربتها المدمرة على مسافة 600 ميلاً بحرياً عن الغواصة الأم التي كانت تحملها. (الميل البحري يساوي 1852 مترا). .
والسؤال الأهم بعد هذا الاستعراض المقتضب: ما ذنب الشعوب والأمم التي ستضعها الاقدار تحت رحمة الحروب التي تفتعلها القوى الدولية من وقت لآخر ؟. أليس بين البلدان الكبرى دولة حكيمة تأخذ بعين الاعتبار النواحي الإنسانية والبيئية والصحية. وتحث الخطى نحو استتباب الأمن وإقرار السلام وإشاعة الاطمئنان بين الشعوب والأمم ؟؟. .