ومتى شغل سعر الرغيف بال المتنفذين ؟
بقلم: جاسم الحلفي ..
قدم الزميل هشام علي ، مقدم برنامج لعبة الكراسي في فضائية الشرقية ، حلقة تناول فيها، من بين أمور أخرى ، مسألة ارتفاع سعر الخبز، مذكرا بالمقولة المعروفة المنسوبة للشهيد عبد الكريم قاسم: “زغّر الصورة وكبر الصمونة”. والتي اطلقها خلال احدى جولاته التفقدية لاحوال المواطنين وزيارته لفرن صمون، حيث وجد صاحب الفرن قد علق صورة كبيرة له (للزعيم)، بينما كانت الصمونة التي يبيعها صغيرة ، بما يخالف الاوزان التي حددتها الوزارة.
تجاهل ضيف البرنامج العبارة المأثورة هذه وكأنه لم يسمع بها، رغم شهرتها وكثرة ترديدها على ألسن لما تحمل من استهجان للاستغلال والانتهازية.
عموما لا يوجد وجه للمقارنة بين خصال الشهيد وسجاياه وبين من تولى الحكم من المتنفذين بعد ٢٠٠٥، فالاول عرف ببساطته وكثرة تجواله بين الناس وتفقد احوالهم، بينما المتنفذون لا يبرحون قصورهم المحروسة جيدا. الاول ناصر الفقراء ودافع عنهم، وبنى مدنا لهم بعد ان كانوا يسكنون العشوائيات، بينما في ظل حكم منظومة المحاصصة والفساد تصاعدت اعداد الفقراء واتسعت رقعة العشوائيات، رغم الوفرة المالية غير المسبوقة.
الزعيم عبد الكريم قاسم اعتمد المواطنة اساسا في الحكم، بينما ارست طغمة المتنفذين الطائفية السياسية منهجا وسلوكا، وعرف الزعيم بنزاهته فيما تموضع الفساد اليوم في كل مفاصل الدولة وغدا جائحة حقيقية.
واهتم الزعيم بسعر الصمونة وحجمها، وكان عارفا باسباب ذلك وما يقف وراءه من نوايا، مستبعدا الفرضيات البعيدة عن الأسباب الجوهرية، والتي يريد المتنفذون اليوم ابرازها هروبا الى امام ، وإنكارا لفرضية الضغط على معيشة الناس، مدعين مثلا ان ارتفاع أسعار الخبز هو لتحسين نوعيته، او لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين .
ونحن مثل عامة الناس ندرك ان وراء ارتفاع أسعار قوت الفقراء المتمثل بالرغيف، ارتفاع أسعار الطحين، وضعف الرقابة، وشحة الدعم الحكومي وجشع المحتكرين، فكيف للمتنفذين اللاهثين وراء مصالحهم ان يدركوا ذلك .
وعند الاستماع الى الحلقة المذكورة من برنامج لعبة الكراسي تقفز الى الذهن حكاية ملكة فرنسا أيام زمان ماري انطوانيت، التي فاجأتها ثورة جياع فرنسا في 14 تموز 1789، واقتحامهم البطولي لقصر فرساي، فقالت عندما عرفت ان مطلبهم هو الخبز: ليأكلوا البسكويت اذا لم يتوفر الخبز!
وكي لا نذهب بعيدا في تاريخ فرنسا، نذكّر بقول احدهم قبل سنوات معدودات: “المية الف دينار اللي تاخذوها تكدرون تصرفون منها 30 الف، والـ 70 الف الباقية ضموها، والنستلة مو ضرورية”.
ان ارتفاع سعر رغيف الخبز وعدم الإفصاح عن أسبابه الحقيقية ، انما يعكس عدم اكتراث طغمة الحكم بمعيشة الناس. ولا يعني ذلك باي حال انتفاء تلك الاسباب، وسيبقى سؤال ارتفاع سعر الخبر محيّرا للمتنفذين، يوم يواجههم المحرومون والمظلومون، عاجلا ام اجلا، بثورة سلمية عنوانها الأساسي: العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية.
ان سؤال رغيف الخبز انما يعبر بوضوح شديد عن قضية كرامة ملايين العراقيين، المرميين تحت خط الفقر، والذين يكتوون بلهيب شمس الصيف الحارقة، الذي تضاعفه سقوف صفيح بيوتهم المتهاوية، التي تغرق في اوحال الشتاء القارس.
نعم، ليس سعر رغيف الخبز ما يشغل بال المتنفذين، انما هو التشبث بمقود السلطة واستمرار تربعهم على كراسيها. كما ان الخبز وسعره ليسا وحدهما ما يجهله المتنفذون او يغضون الطرف عنه . فهناك مثلهما قضايا أخرى مهمة لها علاقة بمصير البلد ومستقبله وسيادته وحرمة أراضيه، وليس مستغربا ان يزعم احدهم ان حدودنا مؤمّنة وسالمة !