(إخراج) العراق من بطولة آسيا.. هل كان قراراً سياسياً، أم خطأً تحكيمياً؟
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
كنا قد قررنا في الجريدة، تجاوز موضوع مباراة العراق والأردن وأحداثها المؤلمة، وعدم نشر أي تعقيبات حولها، بل ونسيانها بالمرة، خاصة بعد تعرضي لأزمة صحية وارتفاع ضغط الدم غير الطبيعي بسبب هذه المباراة.. لكن ما حدث بعد المباراة من مهازل واستفزازات وتعليقات أردنية بذيئة بحق العراق، سواء من لاعبي الأردن او من إعلامه او جمهوره المنفلت، وما تعرض له جمهورنا ولاعبونا من اساءات ظالمة وخبيثة، بات لزاماً علينا أن نقول الحقيقة بكل صورها مهما كانت مزعجة ومفجعة.. إن من يقرأ عنوان مقالي هذا يعتقد ربما أني ابالغ في الأمر، وأن خسارتنا أمام الأردن طبيعية، وخروجنا من البطولة الآسيوية طبيعي أيضاً، والعملية برمتها عملية رياضية، فلا ثمة قرار سياسي، ولا هناك مؤامرة، ولا بطيخ ..!
وقد يكون صاحب هذا الاعتقاد محقاً إن لم يطلع على بعض الحقائق التي سأذكرها هنا، لذا علينا أن نبحث القضية من كل الزوايا، وبعدها نضع الحكم المناسب.. أولاً أود القول إني لا أؤمن بنظرية (المؤامرة)، التي تعلق عليها الكثير من الأحداث الدراماتيكية. وإذا كان نصف أبناء الامة العربية، والأمم الشرقية، يقفون في صفوف المؤمنين بهذه النظرية، فأنا ومعي النصف الآخر، نقف خارجها، لاسيما وأن علماء النفس يضعون هذه الحالة ضمن خانة الأمراض النفسية المرتبطة بمرض البارانويا أو “الذهان النفسي” ..!
لكن والحق يجب أن يقال، إن ثمة أموراً غريبة حدثت في مباراتنا مع الأردن تستدعي الوقوف عندها، والتمعن في ظروفها، ودوافعها.. فما حدث أمر لا يمكن قبوله وهضمه بـ( روح رياضية) دون تمحيص أو دراسة.. و لنبدأ من حكم المباراة علي رضا أفغهاني، وهو كما منشور عنه (معارض) إيراني، ومؤيد لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية- المنظمة التي وضعتها الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب عام 1998. ولايحتاج أن أذكّر بجرائم هذه المنظمة، وبما فعلته بحق الشعب العراقي، يوم كانت ذراعاً من أذرع صدام حسين الدموية !
ولما كان هذا الحكم يحمل هذه (الهوية السياسية)، وله سوابق مرة مع لاعبي منتخب العراق، وقيامه بطرد اكثر من لاعب عراقي، من بينهم حارس مرمى منتخبنا الوطني نور صبري!! كيف يمكن تقبل فكرة تنسيب هذا الحكم لمباراة العراق والأردن، وهي مباراة حساسة، بل حساسة جداً، دون أن تجعلني أشك وأرتاب في دوافع تنسيبه، ومن ثم طرده لاعبنا ايمن حسين بدون مبرر وسبب مقنع وعادل؟
ولعل موقف الاتحاد الآسيوي ورئيسه الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة، مثير للتساؤل أكثر من غيره، فرئيس الاتحاد هو ابن عم ملك البحرين، وأحد أقرب أبناء الأسرة البحرينية الحاكمة اليه – وهنا اريد ان أذكّر بالعلاقة غير الودية بين حكومة البحرين وحكومة العراق، وقد تعمق الجفاء بين الطرفين كثيراً بعد اختلاف المواقف حول الحرب في غزة، حيث وقفت البحرين في الضفة المعاكسة لموقف العراق الحكومي والشعبي.. وعلى الرغم من أن العراق منح صوته للشيخ سلمان في كل الدورات الانتخابية الآسيوية السابقة، لكن الرجل لم يقف مع العراق يوماً، سواء في بيئة رفع الحظر عن الملاعب العراقية، او في غيرها، وقد كان آخرها موقفه المؤيد لحكم مباراتنا مع الأردن .. ويبدو أن (ملح) الصوت العراقي لم ولن (يغزر) في بعض الضمائر .
أما النقطة الأخرى في هذه القضية والتي تجعل المتابع في شك وريبة، فتتمثل بالعلاقة بين الأمير (الحشاش) علي بن الحسين- الاخ غير الشقيق لملك الأردن عبد الله- والذي يشغل موقع رئيس اتحاد غرب آسيا، مع رئيس الاتحاد الآسيوي خاصة وأن اتحاد غرب آسيا يضم 12 اتحاداً كروياً، ويبدو أن ثمة اتفاقاً قد حصل بين الشيخ سلمان والأمير علي، قبل بدء الانتخابات الاسيوية، يتمثل بمبدأ معروف عنوانه: (شيلني وأشيلك)
أي امنحني أصوات اتحادك الـ 12، وانا أضمن الفوز لك برئاسة اتحاد غرب آسيا، فضلاً عن الدعم غير العادي الذي سيقدمه الاتحاد الآسيوي للأردن .. وسنصدق مثل هذا الأمر، حين نعلم ان وضع الشيخ سلمان كان محرجاً جداً في الإنتخابات الآسيوية، لاسيما أمام منافسه الاماراتي يوسف السركال، ولولا اصوات غرب آسيا التي ذهبت كلها للشيخ سلمان لما فاز قط.
ومما يؤكد هذا الاعتقاد أن الأمير علي، تبسمر على كرسي رئاسة اتحاد غرب آسيا دورة بعد أخرى دون أن يزحزحه منافس، رغم أن الأمير علي محترف في (الحشيشة) وليس في كرة القدم ..! هذا ولم تزل الأمور حلوة (زي العسل) بين الشيخ سلمان والأمير علي، رغم أن الأمير أعطى صوته وبقية الأصوات بانتخابات الفيفا للمرشح (جياني إنفانتينو) الذي صار رئيساً للفيفا فيما بعد. ويبدو أن حسابات أردنية مصلحية وقفت خلف هذا التصويت .. وطبعاً فإن الأردنيين معروفون ومشهورون بمثل هذه (الحسابات) .!.
لكن العلاقة بين الشيخ والأمير عادت إلى طبيعتها الحلوة، بل وباتت أقوى مما كانت عليه، فالمصالح دائماً فوق كل شيء، وكان آخر ما في حقيبة هذه المصالح، دعم الشيخ، ووقوفه خلف فوز الأردن على منتخبنا، وأيضاً خلف مكرمة الحكم للأردن ..!
والآن، وبعد أن عرفتم كامل ملامح الصورة، وطبيعة العلاقة المنفعية والتخادمية المتبادلة بين الأردن والاتحاد الآسيوي والحكم الإيراني، بات من الضروري والمطلوب أن نشك، وأن نسأل على الأقل عن سبب سكوت الشيخ سلمان عن مهزلة التحكيم والظلم الذي تعرض له منتخب العراق. فنحن لا نطالب باعادة المباراة رغم ان هذا الأمر قد حصل في مباريات مماثلة، لكننا نطالب فقط بمعاقبة الحكم الإيراني وطرده من البطولة كي يعرف العالم أن منتخب الأردن لم يفز على منتخب العراق لولا تحيز الحكم، وهو أبسط ( رد اعتبار) للكرة العراقية وجمهورها الغيور، الطيب ، والنبيل ..
وكي تكتمل الصورة يجب أن نعرف ان لقطر والسعودية دوراً (خفياً) في المؤامرة على منتخب العراق..إذ يبدو أن وجود الجماهير العراقية، خصوصاً بعد بروز دورها الثقيل في ملاعب الدوحة قد أزعج هذه المنتخبات، كما أن تجمعها في حشود كبيرة وتظاهرها (البريء ) في سوق الواقف، وكذلك هتافاتها الرياضية التي (طُعمت) ببعض الصيحات السياسية المؤيدة لشعب غزة، و (غيرها) قد أخاف حكومة قطر من قادم الأيام، لو بقيت هذه الجماهير بهذا الحضور وبهذا النشاط في الدوحة حتى نهاية
البطولة .. لذلك التقت وتوافقت جميع الأهواء والمصالح على خروج العراق وجماهيره من هذه البطولة اليوم قبل ( باچر)، فكان الأفضل للجميع أن يفوز الأردن على منتخب العراق، وأن يعيّن مثل هذا الحكم لترتيب هذا الأمر فنياً.. !
لكن الله فضح الجميع، وأخزى مسعاهم، فقد وقف وشهد العالم كله على فصول هذه المؤامرة وإذا لم يكن هناك مخطط ظالم لإخراج العراق من البطولة عبر مباراته مع الأردن، فلماذا تم تعيين هذا الحكم دون غيره من بين عشرات الحكام الآسيويين .. وكيف يقوم هذا الحكم بطرد لاعبنا ايمن حسين، وهو هداف البطولة ونجمها الاول، بدون سبب مقنع، وإذا كانت طريقة احتفاله هي السبب كما يقولون، فلماذا لم ينذر اللاعبين الأردنيين الذين احتفلوا بنفس الطريقة وبوقت اطول؟!
وللحق، أنا هنا لا اريد ان أبرر الخسارة، أو اعلقها على شماعة الحكم فقط، خاصة وأن لاعبينا ارتكبوا اخطاء فنية لا يرتكبها حتى الناشئة، وكذلك المدرب الذي لم يعد اللاعبين اعداداً نفسياً وذهنياً يتوافق وهكذا مباراة حاسمة، كما لا اريد أيضاً ان ألوم الاتحاد العراقي الذي لم يعترض على تنسيب هذا الحكم قبل أن تبدأ المباراة بفترة، لكني فقط أريد أن أقول : لماذ يرى كل سكان الكرة الأرضية، من اليابان إلى الصين إلى كوريا إلى اسبانيا إلى الهند، والسند، إلى السعودية واليمن، الى البرازيل، إلى بوركينا فاسو، بل وأن يرى حتى بعض الجمهور الأردني والبحريني والإيراني، ظلم الحكم علي رضا افغهاني، ويشير الى خطئه الفاحش الذي ارتكبه بحق لاعبنا أيمن حسين – الاجانب يرونه خطأ وليس مؤامرة- ولا يراه الشيخ سلمان ؟!
ولعل الأسوأ في القضية، أن ثمة عريضة رفعت إلى الاتحاد الآسيوي والفيفا، وقعها ثلاثة أرباع مليون عراقي وعربي، يطالبون فيها بإنصاف المنتخب العراقي، فضلاً عن شكوى قدمت من الاتحاد العراقي لكرة القدم إلى الاتحاد الآسيوي لنفس الغرض، لكن معالي الشيخ سلمان لم يتكرم بالرد على الاتحاد العراقي، إنما نشر بياناً غريباً ليس له علاقة بالشكوى، ولا بما يطالب به العالم كله، يتحدث فيه عن(الفوضى) التي حصلت في مؤتمر المدرب كاسياس، ويهدد الإعلاميين العراقيين بالعقوبات، ويتحدث ايضاً عن ملاحظات اخرى دون أن يمر على حفرة الظلم التي سقط فيها الحكم الإيراني والاتحاد الآسيوي الذي نسّب هذا الحكم لمثل هذه المباراة، وهو يعرف جيداً التوجهات (الجهادية) جداً لهذا الحكم !