لا تسافر – خليك في بلدك
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
كان الإمام الشافعي رحمه الله يوصي الناس بالسفر، فيقول: (سافر ففي الأسفارِ خمسُ فوائد: تفريجُ همّ، واكتساب معيشةٍ، وعلمٍ، وآدابٌ، وصحبةُ ماجدِ). كان ذلك في الزمن الذي لم تكن فيه حدود تفصل بين ديار العرب من دكار إلى سمرقند، ومن ألبانيا إلى جزر المالديف، اما الآن وبعدما اصيبت الحكومات العربية في مصر والأردن بالرمد الإقليمي، وبعدما صارت تتفنن بإخضاع الوافدين العرب للاختبار الطائفي والمسائلة العرقية والمضايقات العنصرية، من مثل: هل انت مسلم ام مسيحي ؟. سني أم شيعي ؟. عربي أم كردي أم أمازيغي ؟. سوداني أم ليبي أم عراقي أم جزائري أم سوري ؟. متزوج أم اعزب ؟. مستثمر أم موظف أم متقاعد ؟. .
أما إذا كنت تحمل هاتفا ذكيا، أو جهاز آيباد، أو كومبيوتر محمول ؟. فيا ويلك، ويا سواد ليلك. لأنهم سوف يطلبون منك فتح ملفات الصور والمقاطع والفيديوهات ؟. وسوف تجد نفسك قابعا خلف القضبان، وربما ينتهي بك الأمر محتجزا خلف كوكب أورانوس في مكان لا تصل اليه مركبة الفضاء (فويجر)، ولا يراه تلسكوب (هابل). .
اما إذا انتهت مرحلة الفحص والتفتيش على خير، وتأكد لرجال المباحث انك خارج الشبهات، وخصوصا بعدما تدفع المقسوم، وتعطيهم المبلغ المعلوم، فإياك ان تلتقط الصور في الساحات والشوارع، أو تقوم بتسجيل الرسائل الصوتية عند اقترابك من المباني الحكومية، لأن مصيرك سوف يكون السجن لسنوات قابلة للتمديد والتجديد ولن يشفع لك شفيع. .
اما إذا وقعت حادثة في البلد (سرقة – اعتداء مسلح – مساس بالذات الملكية أو الذات الرئاسية – مظاهرة سلمية) فسوف تكون انت الضحية. وربما يرغمونك على الاعتراف بالانتماء إلى تنظيم الإخوان، أو تنظيم بوكو حرام إذا كنت سودانيا أو صوماليا، او الانتماء إلى الحوثيين إذا كنت يمنيا او عمانيا. اغلب الظن انكم سمعتم بالسودانيين الذين وقعت عليهم تهمة التلاعب بشاشات العرض الإلكتروني في شارع فيصل وسط القاهرة. .
نحن في هذه البلدان (مصر والأردن) عبارة عن كائنات مشكوك فيها، ومرشحة للاعتقال في اي وقت، فما الذي يرغمنا على السفر ؟. ولماذا نُلقي بأنفسنا إلى التهلكة ؟. .
ختاماً: لا يسعنا إلا أن نقول: شكرا للسلطات التي أفسدت مكانتها بنفسها وأراحتنا من عناء السفر اليها. ولن نعاتب دولة لأنها لا ترغب بوجودنا فوق أرضها. ففي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى. وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ. .