العراق بين الحكم الملكي و الحكم الحالي … بالأرقام
بقلم الخبير المهندس :- حيدر عبدالجبار البطاط ..
أ _ العهد الملكي (1922-1958):
إرث من التنمية والإنجازات
الإيرادات العامة:
بلغت الإيرادات أقل من 2 مليار دولار على مدى 36 عاماً !!؟
ملامح التنمية:
شهدت حقبة الحكم الملكي في العراق من عام 1922 وحتى 1958 إنجازات عملاقة رغم الإمكانيات المحدودة
شملت التقدم في البنية التحتية و الصناعة و الزراعة و النفط و التعليم و الرعاية الصحية والمجالات الثقافية والاجتماعية.
و في ما يلي أبرز ما تحقق خلال تلك الفترة:
1.الإعمار والبنية التحتية:-
شبكات الطرق والجسور:
تم بناء طرق وجسور تربط العاصمة بغداد بالمدن الكبرى مثل البصرة والموصل إضافةً إلى شبكة سكك الحديد.
الخدمات العامة:
تم تحسين إمدادات الكهرباء والمياه وتطوير المدارس والمستشفيات.
مشاريع الري:
شُيِّدت السدود ونُفذت مشاريع الري لزيادة الإنتاج الزراعي وتقليل آثار الفيضانات.
2.الصناعة:
الصناعات الزراعية:
تأسيس مطاحن القمح ومعامل السكر لدعم الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
الحرف والصناعات الصغيرة:
ظهرت صناعات تقليدية مثل النسيج والخزف التي أسهمت في الاقتصاد المحلي ووفرت فرص العمل.
3.قطاع النفط:
تأسيس شركة نفط العراق (IPC):
شهد عام 1927 اكتشاف النفط في حقل بابا كركر بكركوك ما قاد إلى تأسيس شركة IPC لإدارة الإنتاج النفطي.
التصدير:
بدأ العراق بتصدير النفط بكميات كبيرة مسهماً في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وزيادة الإيرادات الحكومية.
حقول البصرة:
اكتشافات النفط في مناطق مثل البصرة عززت مكانة العراق كمنتج رئيسي للنفط.
4.التعليم والرعاية الصحية:
•التعليم:
تأسيس مدارس وجامعات متميزة مثل الجامعة المستنصرية وجامعة بغداد مما أسهم في بناء كوادر متعلمة.
•الخدمات الصحية:
توسع بناء المستشفيات وتوفير خدمات صحية أفضل لتشمل نطاقًا أكبر من السكان.
5.التنمية الاجتماعية:
الإصلاحات الاجتماعية:
بدأت الحكومة في إصلاحات لتحسين أوضاع المرأة وتطوير حقوق العمال وتحسين مستوى المعيشة.
6.السياسات الاقتصادية:
التخطيط الاقتصادي:
تم التخطيط لاستغلال موارد البلاد وخاصة النفط لتطوير الاقتصاد وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
7.الثقافة:
الأدب والفنون:
شهدت تلك الفترة بروز أدباء وشعراء مثل الجواهري والسياب مما أسهم في تعزيز الثقافة العراقية.
8.الترابط الأسري
تميزت الأسرة العراقية في الزمن الملكي بترابط قوي بين أفرادها حيث كانت العلاقات مبنية على الاحترام المتبادل والتقدير للأكبر سناً والاهتمام بالأصغر إضافة إلى التعاون والتعاضد في مواجهة التحديات.
9.القيم و المبادئ
حافظ المجتمع على قيمه التقليدية والدينية كالاحترام والوفاء و النزاهة و الوطنية والتي أسهمت في تماسك الأسرة وترسيخ المبادئ الأخلاقية.
لعبت العائلة دوراً محورياً في نقل هذه القيم للأجيال الجديدة إذ كانت التربية والتعليم من مسؤولية الوالدين والأجداد.
كما عززت الأنشطة الاجتماعية كالتجمعات العائلية والأعياد والمناسبات الدينية، هذا الترابط مما أضفى جواً من الألفة والمحبة على الأسرة العراقية.
تأثيرات النظام الملكي:
على الرغم من الإنجازات كانت هناك تحديات وصعوبات اقتصادية واجتماعية أدت في نهاية المطاف إلى زعزعة استقرار النظام الملكي واندلاع الثورة في 1958.
ب _ العهد الجمهوري (1958-2003):
إرادات نفطية وقرارات حاسمة
إيرادات الدولة:
•1958-1973: حوالي 15 مليار دولار.
•1973-1990: حوالي 200-300 مليار دولار.
•1991-2003: حوالي 20-30 مليار دولار.
•إجمالي الإيرادات: 290 مليار دولار على مدى 45 عامًا.
أهم التحولات:
شهدت هذه الحقبة تغييرات قانونية واستمرارًا لبعض جهود التنمية إلا أن القرارات مثل تأميم النفط والإصلاح الزراعي شكلت محور هذه المرحلة.
1.تأميم النفط:
كان تأميم النفط في السبعينيات قرارًا استراتيجيًا أعاد السيطرة على الموارد الطبيعية للعراق وزاد من إيرادات الدولة.
2.الإصلاح الزراعي:
ركزت الحكومة على تحسين الأراضي الزراعية وتوزيعها لتحقيق الإنتاج الغذائي المحلي.
3.تحديات الحروب والعقوبات:
شهد العراق خلال هذه الحقبة تحديات سياسية وحروبًا متكررة، خاصة الحرب العراقية الإيرانية، التي أثرت سلبًا على التنمية، تلتها العقوبات الدولية في التسعينيات التي زادت من الضغط الاقتصادي والاجتماعي.
ج _ العهد الديمقراطي الحالي (2004-2023):
وفرة الإيرادات وتفاقم التدهور
الإيرادات العامة:
بلغت حوالي 2000 مليار دولار (2 تريليون دولار) على مدى 23 عامًا.
التدهور الشامل:
تم تهديم ما انجز في العقود السابقة
رغم الإيرادات الهائلة شهد العراق في هذه الحقبة انهياراً في معظم القطاعات الحيوية وانتشاراً واسعاً للفساد ما ساهم في تراجع الخدمات الأساسية والبنية التحتية:
1.التعليم والصحة:
انتشار المدارس والجامعات الأهلية على حساب الحكومية، مما أثر على جودة التعليم.
زيادة المستشفيات الأهلية وتراجع جودة الرعاية الصحية الحكومية.
2.الصناعة والزراعة:
عانى هذان القطاعان من التدهور، مع زيادة الاعتماد على الواردات الأجنبية وتراجع الإنتاج المحلي.
3.الفساد المالي والإداري:
أصبح الفساد ظاهرة بارزة تعيق كل جوانب التنمية حيث تم هدر الكثير من الموارد العامة دون تحقيق فوائد للمجتمع و ضاعت اموال الوطن في بطون الفاسدين.
4.تراجع الثقافة والإنتاج الوطني:
زادت الاستعانة بالشركات الأجنبية وتقلص الإنتاج المحلي، حتى شمل الاعتماد على الاستيراد معظم احتياجات المواطن اليومية.
5.توقف المصانع :
توقفت الالاف من الشركات و المعامل الصناعية عن العمل (تشمل المصانع الصغيرة والكبيرة )
كذلك تلكأت الالاف من المشاريع و اندثر اغلبها !
نتيجة لعدة عوامل أبرزها الفساد والإهمال وغياب الدعم الحكومي الفعّال مما يضع عبئاً كبيراً على الاقتصاد العراقي حيث يُصرف جزء كبير من الميزانية لتغطية رواتب العاملين في هذه المصانع المتوقفة دون إنتاج فعلي .
6.التفكك الأسري :
في العهد الديمقراطي ضعف الترابط الأسري في الأسرة العراقية حيث تراجعت العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل والتقدير للأكبر سناً والاهتمام بالأصغر وأصبح التعاون والتعاضد أقل في مواجهة التحديات الحياتية.
7.القيم و المبادئ :
في العهد الحديث تراجعت القيم التقليدية كالنزاهة والوفاء و الوطنية وضعف دور العائلة في نقل هذه القيم للأجيال الجديدة.
كما قلت الأنشطة الاجتماعية التي كانت تعزز الألفة والترابط داخل الأسرة العراقية.
و في الختام !؟
في الحقبة الملكية (1922-1958) رغم الإيرادات المحدودة تميزت البلاد بالتركيز على مشاريع البنية التحتية والتعليم والصحة وازدهرت الصناعات كما شهدت انطلاقة لقطاع النفط مما دعم الاقتصاد وجلب الاستقرار النسبي.
أما في الحقبة الديمقراطية (منذ 2003) فرغم الإيرادات النفطية الضخمة عانى العراق من تراجع كبير في جودة الخدمات الأساسية والبنية التحتية.
كما ازداد الفساد وتفاقم الاعتماد على الواردات الأجنبية. قد يُعزى هذا التدهور إلى الضعف في الإدارة العامة والرقابة مما سمح للفساد بالانتشار وتأثر العديد من القطاعات الحيوية.
باختصار بين الماضي الملكي والحاضر الديمقراطي يظهر العراق في مفارقة كبيرة ففي حين حقق إنجازات بتكلفة بسيطة في الحقبة الملكية يقف اليوم عاجز أمام تحديات كبرى رغم وفرة الموارد !!