“ميسان.. نموذج ريادي في مواجهة التطرف وتعزيز التماسك المجتمعي”
بقلم : سمير السعد ..
في خطوة تعكس الوعي المتزايد بخطورة الأفكار المتطرفة وتأثيرها على استقرار المجتمعات، أطلقت اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب خططاً فرعية شملت محافظات العراق، مع التركيز على مناطق الجنوب. وتأتي محافظة ميسان في طليعة هذه الجهود، حيث أظهرت خصوصية لافتة في التحضير والتنفيذ، متفردة بتعاون حكومي ومجتمعي مشهود لإنجاح عمل اللجنة الفرعية.
تستهدف هذه الخطط الشباب بشكل أساسي، كونهم الأكثر عرضة للتأثير بالأفكار الدخيلة. وتسعى عبر توظيف موارد الدولة وتكاتف الشخصيات المجتمعية المؤثرة إلى تعزيز الوقاية المجتمعية وبناء حصانة فكرية وثقافية.
ميسان، بتنوعها الثقافي والاجتماعي، تشكل نموذجاً للتعايش السلمي، حيث يظهر التفاعل الإيجابي بين مختلف الأطراف الرسمية والشعبية، ما يعكس التزاماً واضحاً بتحقيق الاستقرار وترسيخ قيم الوحدة والتماسك.
هذه الجهود ليست مجرد خطوات وقتية، بل تمثل استراتيجية بعيدة المدى لتجفيف منابع التطرف، عبر بناء شراكات مستدامة تهدف إلى تمكين الشباب فكرياً واجتماعياً، وجعلهم قوة دافعة نحو السلام والتنمية.
التجربة الميسانية، بما تحمل من خصوصية ودروس، تمثل دعوة لمختلف المحافظات لاتباع نهج متكامل يسهم في حماية العراق من خطر الأفكار المنحرفة، ويعزز من مكانته كدولة موحدة وقادرة على مواجهة التحديات.
لا يمكن إغفال أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات الحكومية في ميسان في دعم هذه الجهود، حيث أبدت الجهات المعنية استعداداً لوجستياً ومادياً لإنجاح المبادرات الفرعية لمكافحة التطرف. ولم يكن هذا التعاون ليؤتي ثماره لولا الشراكة الفاعلة مع الشخصيات المجتمعية المؤثرة، من شيوخ عشائر وأكاديميين ورجال دين، الذين عملوا جنباً إلى جنب لتعزيز الخطاب المعتدل ونشر ثقافة التسامح.
كما أن محافظة ميسان، بخصوصيتها الاجتماعية، تمثل بيئة مهيأة لنجاح هذه الخطط، نظراً لما تتميز به من تقاليد عريقة في حل النزاعات بطرق سلمية، وهو ما يمنح المبادرات زخماً أكبر ويعزز فرص نجاحها. التمازج بين الدعم الحكومي والتفاعل الشعبي في ميسان أسهم في خلق نموذج فريد يمكن أن يُستنسخ في محافظات أخرى تعاني من التحديات ذاتها.
“الاستثمار في الشباب ” التركيز على فئة الشباب في خطط اللجنة الوطنية ليس اختياراً اعتباطياً، بل هو استثمار استراتيجي طويل الأمد. فالشباب هم العمود الفقري للمجتمع، وهم الأكثر تأثراً بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية التي قد تُغذي التطرف. لذلك، جاءت هذه الخطط لتوفير منصات ثقافية ورياضية واجتماعية تسهم في إشغال وقت الشباب بما هو نافع وإيجابي، فضلاً عن إكسابهم مهارات تمكنهم من مواجهة الأفكار المنحرفة بالحوار والمنطق.
وتعزيز التمويل “لضمان استدامة هذه الخطط، لا بد من تخصيص ميزانيات كافية لدعم الأنشطة والبرامج الموجهة للشباب. مع ” بناء شراكات أوسع ” و إدخال المنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية كشركاء في تصميم وتنفيذ البرامج. كذلك ” قياس الأثر ” و إنشاء آليات واضحة لقياس تأثير هذه المبادرات على أرض الواقع لتطويرها وتحسينها مستقبلاً. ومن الضروري جدا “التركيز على الإعلام ” وتعزيز دوره في نشر رسائل السلام ومواجهة الخطاب المتطرف.
ختاماً، ما حققته ميسان يُثبت أن التكاتف بين الحكومة والمجتمع هو المفتاح لنجاح أي مبادرة تسعى لتحقيق التماسك المجتمعي ومكافحة الفكر المتطرف. هذه التجربة تحمل في طياتها رسالة أمل بأن العراق، بمختلف أطيافه، قادر على الوقوف صفاً واحداً في وجه أي تهديد يهدد نسيجه الاجتماعي ومستقبله.