هذه حكايتي لمن يريد سماعها
بقلم: كمال فتاح حيدر ..

امضيت عمري الوظيفي كله اعمل في مؤسسة عريقة منتجة، كنت فيها من المخلصين الذين امتزجت لديهم همم البناء ودوافع العطاء وحوافز الرغبة في الارتقاء، كانت هي ورشتي وهي بيتي ومدرستي وعالمي الصغير الذي انتمي اليه. .
كبرت وكبرت معي آمالي وطموحاتي حتى تدرجت في مسالكها خطوة بعد خطوة، ثم اصبحت من ابرز قادتها، فكانت لديَّ لمسات مشهودة في التغيير والتعديل والتطوير والتحسين في كل ركن من أركانها. اتابع بشغف ما يجري بداخل أقسامها وفي أعماق وحداتها المالية والإدارية والإنتاجية. ربما لا تعلمون انني كنت على رأس الفريق الذي اعد المسودة القانونية التي منحتها صورة تشغيلية معاصرة تختلف عن صورتها الموروثة، ثم أصبحت أنا القائد الميداني لفرقها التشغيلية في كل الاتجاهات، حتى جاء اليوم الذي قررت فيه تشييد بناية جديدة تليق بها. فجاء تصميمها على الطراز الفكتوري الفريد الذي لا مثيل له في عموم البلاد. بناية تذهل العقول وتسحر القلوب وتخطف الأبصار. كنت اقف بقوة وراء ارسال فرقها الفتية للتدريب وتلقي العلوم والمهارات في ارقى المعاهد الاوروبية. وعلى تواصل مباشر مع اصغر موظف في هذا الكيان الإداري العملاق، وكنت السبب الرئيس والمباشر في منحهم السكن اللائق في اجمل بقاع المدينة، فتزايدت الايرادات، وتصاعدت مؤشرات المخصصات المالية، وتحسنت معطيات الأرباح السنوية، وازدانت نشاطات تلك المؤسسة بالخير والازدهار في كل جناح من أجنحتها. .
وفجأة تغيرت بوصلة الحياة، وكانت للعمر حدوده الزمنية، وللإدارة متغيراتها الحتمية، ولعجلة العمل سرعتها واتجاهاتها. فغادرت موقعي وعيني ترنو إلى سلسلة لا منتهية من مراحل العمل الدؤوب على مدى نصف قرن من الزمان. .
ولكن بعد اقل من عامين قادتني إليها قدماي فوجدت نفسي غريبا في البيت الذي شاركت في بناءه، طارئا على الأقسام التي شاركت في تأسيسها، متطفلا على المرافئ التي شاركت في تأهيلها. ناءٍ عن الدارِ صفرُ الكف منفردٌ كالسيف عُرَّيَ متناه من الخِللِ. والدهرُ يعكس آمالي ويقنعني من الغنيمة بعد الكدِّ بالقَفَلِ. .