بلاويكم نيوز

رئيسان صينيان في دفاتر ذاكرتي الشخصية.

0

بقلم : د.مظهر محمد صالح …


١- من خارج البروتوكول ..
كان تموز من العام ١٩٨٤ الحدث العفوي الاكثر حراجة ذلك عند دخولي للفندق الذي يطل على قناة مازالت تقطع قلب العاصمة الكندية اوتاوا واسمها Rideau Canal
(قناة ريدو) واثناء دخولي ممر الفندق الداخلي لبلوغ غرفة نًومي اوقفني رجلان من حرس الشخصيات كانا شديدا الحذر وطلبا مني التوقف برهة من الزمن قبل التوجه لاخذ المصعد الكهربائي. وظل قلبي يطرق ابوابه حينها ويقلب التفكير لمشاعري الايجابية (وعلى طريقة اهل الغرب تارة )و يقلب مخاوفي السلبية (على طريقة اهلنا في بلداننا الام المشرقية تارة اخرى ) .وهكذا مرت اللحظات وبسرعة البرق واذا بالزعيم الصيني الاصلاحي الشيوعي( القصير القامة )(دينغ كيسار بنغ )يشعرني بابتسامة عريضة احتضنت حينها الكون كله وهو يغادرني ويسير من جانبي بالاتجاه الاخر في طريقه الى خارج الفندق . مضت ايام قليلة جدا بلغت فرحتي مداها عندما نشرت الصحافة الأمريكية بعد اسبوع من ذلك التاريخ صورة الزعيم الصيني (دينغ كيسار بنغ) وهو يتجول في واحدة من مدن كالفورنيا في الولايات المتحدة ممتطياً ظهر الحصان
الامريكي( القصير جدا )المسمى
بالموستانغ
‏horse mustang .
قلت في سري من هنا امتطى الزعيم الصيني الاصلاحي (القصير القامة )حصانا امريكيا (قصيراً) ليرسم الاصلاح الاقتصادي في بلاده انطلاقا من الساحل الغربي الامريكي صوب شواطي الصين . ثم مرت السنوات سراعاً اعتلت فيها الصين ناصية عالية التقدم وبقامات طويلة بعد رسالته الرمزية التي اطلقها من حصانه الاحمر الصغير على شاطي المحيط الهادي الغربية قائلاً :ان الصين ستتمدد بالتدريج في العقود القادمة لتركب جوادا امريكيا عاليا لينهي هو بنفسه عهود خيول الموستانغ القصيرة في عالم ما بعد الحرب الباردة .
٢- من داخل البروتوكول :
بعد ثلاثين عاماً من ذكرى مصادفتي الرئيس الصيني في فندق العاصمة الكندية اوتاوا لتقف الصين بقامتها الطويلة الجديدة قبالة القامة الاطول في العالم.وهي تنام وتصحوا وتتقلب على قيادة الاقتصاد العالم دون ان تذكر كلمة واحدة بانها الدولة العظمى الاولى من شدة تواضع شعبها وهدوء منهجها وقوة معتقداتها الاقتصادية.
فبرفقة السيد رئيس وزراء العراق الاسبق جاءت الصدفة الموضوعية الثانية بان التقي بالرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ عام ٢٠١٥ وكيف تحدث الرجل بايجابية عن تضامن بلاده مع العراق بالحرب ضد الارهاب موضحاً ان جياد المعركة العراقية ستظل هي الاقوى في هزيمة قوى الظلام الداعشية من اجل ان تتحرر ارض العراق .وهكذا حقا تحررت البلاد من الاحتلال بسواعد العراقيين الابطال في تضامن وطني بناء لم تبلغه دولى الا الصين في معركة اسمها البناء .ذلك بعدما رسمت عقيدتها في التنمية والازدهار وتطبيق شعار الاصلاح السياسي والاقتصادي في عهد الزعيم المصلح الاول الراحل بينغ والذي اخذ عنوانا عظيما لنهضة الصين الجديدة و هو: ((الصعود السلمي للتنمية …..))والخروج من (كرنتينه) الحرب الباردة وعزلتها المدمرة .
٣-فاجئني المفكر السياسي العراقي ابراهيم العبادي الذي نشر عمودا في جريدة الصباح البغدادية في ه تموز ٢٠٢١ وهو يتناول الذكرى المئوية لتاسيس الحزب الشيوعي الصيني . فتحت عنوان:الخيبة العراقية في الذكرى المئوية قال المفكر المبدع ابراهيم العبادي(((تذكروا نحن في العراق نحتفظ بالكثير من الخطوط الحمراء ) فلو لم يجترح الزعيم (قصير القامة )(بينغ )التجديد والاصلاح في سياسات الحزب الشيوعي ، لكانت الصين اليوم ،قصيرة القامة في قبال عشرات الدول ، ولكانت مرتعا للفقر والجمود والتخلف مع اسنان نووية حادة لاتطعم جائعا ولاتداوي مريضا ،كجارتها كوريا الشمالية ذات الصواريخ النووية .
قضى الصينيون ستين عاما من المائة الشيوعية يكدحون قافزين قفزاتهم الماوية الكبرى من الارياف الى المدن بلا جدوى سوى الامساك بالسلطة ، فيما حققت الاربعين عاما التي تلتها تجديدا وتغييرا عجز عنه جيل ماو الذي عاش عالم الافكار متشبعا بها ،متجاهلا عالم الواقع وتحدياته ومخاطره التي احتاجت عقلا جريئا قارئا لوح الواقع وليس متشبعا بعالم المثل الافلاطونية .القيمة الكبرى كانت في العقل القاريء المجدد الذي امتاز به الزعيم المؤسس للنهضة الصينية الفريدة ،بينغ .
نحن في العراق احتفلنا بالذكرى الواحدة بعد المائة لثورة العشرين الوطنية ، وانقسمنا بين عقل محافظ ، واخر مستنير ، يدعو الى فتح كتاب العشرين بعقل ناقد ليكشف عن عيوب العقل السياسي المأزوم في العراق ،والذي يرفض مناقشة بديهياته السياسية ومنطلقاته الفكرية والقيمية ،انطلق الصينيون يحملون فكر اليسار الماركسي قبل ان يغلفوه بلمسة وطنية ماوية (نسبة الى ماوتسي تونغ (1893-1976 ) ثم مالبثوا ان احتفظوا بفكرهم السياسي اليساري مطعمين اياه بمنهج اقتصادي (راسمالي )مخالف تماما للفكر الاشتراكي الذي انطلقت منه اهداف حزبهم الشيوعي ،لقد قفزوا قفزة عظمى من اليسار الى اليمين ،لكن لم ينشق

الحزب ،ولا اضطربت الدولة ،ولم ينفلت العنف السياسي في بلد المليار ونصف المليار من البشر ،نعم كانت عليهم تحفظات وانتقادات وادانات واتهامات في مجال الحريات وحقوق الانسان ،وفي تاريخهم لطخة حمراء تعيد التذكير بالعظام المتكسرة للشباب الذي وقف في ساحة تيانان في عام 1989 مطالبين بالحريات ،فطحنتهم الدبابات بزناجيرها دون توقف .
عقلنا المحافظ ظل يدور حول العشرين ،متفاخرا بزعامتها المتمثلة بالمرجعية الدينية وقادتها من شيوخ العشائر الاباة ،ووقودها فلاحو الوسط والجنوب العراقي واطراف الفرات الغربية ،قرضنا الكثير من الشعر ودبجنا مقالات غنائية تبجيلية وتفاخرنا بمشاعرنا الثورية وقيمنا الدينية والوطنية ،وماذا بعد ؟ ……. لم يسأل كثيرون عن : ماذا حققت الثورة !!؟؟؟واين اخفقت ؟واي ميراث فكري وسياسي تركت للاجيال اللاحقة ؟ بل ان سدنة التراث المهيمن والسلطة الرمزية يمنعون فتح كتاب الثورة لقراءة متجددة وبقطيعة معرفية مع الفكر السائد عنها .ينبغي ان يتحول النقاش عن وليد الثورة الذي عاش عليلا الى فكرة ذات اولوية جماهيرية عامة ،واعني بالوليد الدولة الوطنية التي شاخت بالمائة عام ولم تتحقق من جرائها نهضة ولم تستقر مؤسسة ولافكرة وطنية جامعة ،وأجيالها يتحسرون على النظام والمؤسسات والقانون والعدالة بحدها الادنى ولايطمحون بقفزات عظمى ولا تحولات كبرى ؟ بل صارت احلامهم اقل من ذلك بكثير ،صار همهم ان يحصلوا على كهرباء في زمن الحر والنفط الفائض والغاز المحروق ،ويتوسلون الشركات الصينية لتصنع لهم معجزة خدمية صغيرة ؟ ياللخيبة .،نعم انها الخيبة ،هل نحتاج الى مزيد من جلد الذات لنصحوا ؟ ام فاض بنا وعاء النقد دونما نتيجة ؟ اظن ان امتنا سادرة في غياهب عقلها المستقيل ،بعد مائة عام نردد شعارات كان يرددها اجدادنا بلا جدوى ! ذلك يعني ان النخبة العراقية مطالبة بان ترسم خطوط الاستنارة بسرعة فالزمن صار سيفا على رقابنا ، ليعود الفكر والسلوك السياسي الى جادة الصواب قبل ان يتكرر نموذج السفينة تايتانك )).
٤- انها إضاءات فكرية اخذت تطرق الجدران الخشنة والناعمة في السياسة والاقتصاد في دفاتر ذاكرتي مع الرئيسين الصينيين ذلك عند تناول الاستاذ المفكر ابراهيم العبادي المئوية الصينية في انقلاباتها الذكية وبدبلوماسية ديمغرافية هادئة ، والتي غيرت مسار التاريخ في آسيا والعالم .اجد ان السلطة الصينية قد تداركت نفسها في التحول من ادارة بيروقراطيات صنمية جائعة الى شخصية سلطة آمنت بالانفتاح وسلكت درجات نموها الاقتصادي وخطت بيدها واحة تقدمها التكنولوجي لتقبر الى الابد العقل المتسلط المطلق في ادارة شعب جائع والعيش في واحات الثورة الصناعية الرابعة وبالتعايش السلمي مع العالم.
وهكذا انتهت الصين حقا من مواجهة الاسلحة الامبريالية التي تطلق نيرانها بطلقات (مغلفة بالسكر )كما كانت تحشد لها الصين الماوية لتسويغ عزلتها عن العالم لتبني ازدهارا اقتصاديا تمكنت فيه من نزع السكر من تلك الطلقات ليوزع حلوى على المنتجين وليسعد المستهلكين دون حروب وهدر الدماء وعبر فضاءات اقتصاد سوق حر كفوء يظل لونه احمر red market economy
٥-وبهذه الرائعة الفكرية اختتم المفكر والعقل السياسي ابراهيم العبادي رواية الانتصار في ميدان الاقتصاد السياسي الدولي لكي يجبني من فوره على ما كتبته شخصياً في (٤/ انفا) وبكلمات جاءت من بحر افكاره قائلاً:
(( ابداعاتكم تحرك العقول وتنمي الذوق الفكري .عشتم وبورك يراعكم ،وربما الثمرة العملية لهذه البوح الحزين ان بعض الاعمدة تحرك نقاشا وتلهم افكارا جديدة وتسقط حجرا في بركة الجمود المتطاولة .
محبتي وامتناني))

وخيراً انه ابراهيم العبادي كما عرفته ايقونة العقلانية والفكر السياسي في عراق يبحث عن السعادة في يوم جميل وغد مستقر اكثر ازدهارا ً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط