الدين والسياسة 《 نظرية وتطبيقات عملية حديثة ومعاصرة 》( الحلقة الأولى ) — خيانة الرفقة في السياسة ، ووثاقة الأخوة في الدين —
بقلم : حسن المياح …
أحببت أن يكون عنوان المقالة والأجزاء التي تليها ، هو ” خيانة الرفقة في السياسة ، ووثاقة الأخوة في الدين ” ، وأقصد بالدين هنا ” الإسلام ” بما هو رسالة إلهية وتكليف رباني لإتباع عقيدة التوحيد وشريعتها ونظامها الإجتماعي السياسي وما فيه من قيم خلقية مؤمنة رسالية نبيلة سامية رفيعة …. بدلآ من العنوان ” الدين والسياسة ” … ولكن الذي يؤثر في نشر المقالات والكتابات ، هو قصر العنوان الذي يضغط بكلمات قليلة والتي تؤدي الغرض ، وتستوعب ما يتضمنه الموضوع من تفاصيل ، وعلى هذا الأساس ، كان العنوان ” الدين والسياسة ” .
العزف الشديد الأكيد ، الصاخب المريد ، على فصل الدين عن السياسة ، وهذا ما تروج له العلمانية ، والمدنية ، والليبرالية ، والأنظمة الوضعية البشرية أجمع ، هو من أجل غاية عامة كبرى ، يمكن أن نضغطها بكلمة واحدة ؛ ولكنها تحوي المداليل المتعددة المتنوعة المختلفة لما تبغي اليه هذه الغاية العامة الكبرى للسياسة ، وما يتبعها من نشاط وحراك متلون متعدد ، مختلف متناقض ، وهذه الكلمة ، أو العنوان الجامع هو ” الخيانة ” ، وما أدراك ما ضلال وظلال هذا المصطلح المجرم الضخم الذي يحكم السياسة من حيث هي نشاط وحراك ….. والسياسة كما تعرف ، هي فن الممكن ، والفن هو الإحتيال والتقمص والتحورب المتلون المتغير المضطرب ، والإمكان هو المصلحة والمنفعة …. وعليه فالسياسة هي الإحتيال لتحقيق المصالح والمنافع ، ولذلك برز التعلق الشديد للمبدأ المكيافيلي في التعامل ( في النشاط ) ، والتصرف ( في الحراك ) ، والمبدأ هو ” الغاية تبرر الواسطة والوسيلة ” . وأن المبدأ المكيافيلي هو الترجمة الأمينة التامة للغدر والخيانة ، والسفالة والخداع ، والتلون في السلوك والمواقف والإنحراف ….. ولذلك كان التطابق بين السياسة الخداعة الماكرة ، والمبدأ المكيافيلي كأسلوب نشاط وحراك في ميدان السياسة ….. وعليه تكون وتصبح السياسة هي مكر وخداع ، وغش وإحتيال ، وتغير وتقلب ، وتحول وتحورب ، وما الى ذلك من تغيرات مواقف ، وتناقضات أساليب وإختلاف رؤى وإعتقادات ……..
وفي العمل الحزبي والسياسي ، يؤكد على مصطلح ” الرفيق والرفقة ” وهو مصطلح طيب مؤدب ، حبيب جميل ، بما هو هو من معنى ودلالات ؛ ولكن التلوث يصيبه لما يتوسل في الإستخدام ، فهو الوسيلة المحببة المفضلة في الإجتماع والتخاطب ، وهو الذي يشير الى معنى الإجتماع الحبيب ، والصحبة القريبة إنتسابآ ….. ويا ليت رفاق الأحزاب ورجال السياسة الوضعية أن يكونوها ( الرفقة ) ، ويحافظوا عليها ….. ؛ ولكنها مع شديد الأسف والحسرة والألم لم تدم طويلآ ، ولم تحكم إستغراقآ المسيرة ، ولن تصن ، ولم يحافظ عليها …. وأنما تخان ، وينقلب عليها …. وهذا هو لواثها وفسادها ، لا ذاتآ كمصطلح ؛ وإنما هم الرفاق الذين يتسمون بها ظلمآ وجزافآ ، وأنها صبغ طلاء ؛ وليست صبغة تربية وطبيعة تهذيب وجود إعتناء ….. والأصباغ ألوان متعددة متنوعة مختلفة ، متقلبة متلاشية متجددة ….. والصبغة هي ثبات ورسوخ لأنها واحدة ….
فالسياسة تلون وتحول ، وصبغ وإنقلاب ، وتغير وإحتيال ، ومراس مراوغة ونشاط خداع ، وحراك غدر بإشتياق ، لأن الغاية إستئثار ذات في المصالح والمنافع …. ولذلك ترد الخيانة كأهم وسيلة في السياسة من حيث النشاط والحراك للوصول الى جني الثمرة في جذب وشوق ، ولهفة وتوق ….. والسياسة هذه التي نتحدث عنها ، هي السياسة التي تكون الأساس والمنطلق والحاكمة على النشاط والحراك ، وأنها المبدأ والمنتهى ، وأن كل شيء يرجع اليها بإعتبارها السلطة الحاكمة التي يخضع لها وتطاع ، وأنها الصنم المعبود الذي اليه تقدم العبادات والطاعات ، والقرابين والهدايا والأعطيات ، بإعتبارها المصدر الملهم الهادي ، والبوصلة التي تكشف وتدل على سلوك الطريق منارات دلالات للوصول الى المطلوب …… وهي المتبوعة المتفردة ، لا التابعة المتعددة المطيعة ….
لذلك دعاة العلمانية والمدنية والليبرالية والإعتقادات الوضعية لإفرازات الذهن البشري المحدود المكرورة يقاتلون ويركزون على فصل الدين عن السياسة بإعتبارها هي الألهة الحاكمة المتبوعة ، وليست هي الجزء من كل التركيب المكون التابع لعقيدة إلهية حقة ، كما هي في عقيدة لا إله إلا الله التي يقوم على أساسها دين الإسلام ، وأنها ( السياسة ) المقيدة في الإسلام ، لا المنفلتة المتحررة من كل قيد ، كما هو في السياسة التي تكون هي ” العقيدة ” الحاكمة ، والكل خاضع لها ومطيع …… والإنفلات ( الذي يسوغ سلوك كل ما هو ممكن ومحتال من أسلوب ونشاط ووسيلة ) الذي يسمونه السياسيون والحزبيون ” التحرر ” ، هو الصفة اللازمة الأساس وجوهر التعامل في الحراك والتصرف السياسي والحزبي …. وفي الحزب هو أقل مما هو عليه في السياسة من حيث الطغيان والفلتان …
ولذلك تكون ” الخيانة ” ….
هذا الكلام يتم في السياسة التي هي من صنع الذهن البشري ، لما يؤسسه من أنظمة إجتماعية سياسية مهما كانت تسميتها ، ولونها ، وصناعتها ، وما هي عليه من أصباغ زائفة مزركشة جميلة جاذبة ، والتي هي تحكم الحياة ……. فالسياسة فيها هي الحاكمة المتصرفة ، الآمرة الناهية ، المتبوعة المطاعة …… وهذه السياسة تختلف تمام الإختلاف عن السياسة التي هي عليها في الإسلام ، وهي الجزء من الكل التابع الى الهيكل التام الكامل من دين الإسلام القائم على أساس عقيدة التوحيد الإلهية الرسالية في منطوق ومضامين عقيدة ” لا إله إلا الله ” الحاكمة المطاعة المتبوعة من كل أجزاء هيكل التركيب الرسالي لدين الإسلام ……
ف ” الرفقة ” في السياسة والحزب ، شكل ديكور مزيف ، ويافطة جذب إنتساب وإنتماء خادع ، وأنها صبغ سرعان ما يزول ، أو يتغير ، أو ينقلب ، الى ما هو ضد ومقابل ، ومناقض ومخالف ، وأنها لا تحفظ ولا تصان ، ولذلك هي غطاء لخيانة ، وستر لغدر ، وتمويه لخداع ، وفخ لصيد …. وأنها ترجمة دقيقة للمبدأ المكيافيلي الذي يبرر ، ويتيح ، ويمرر ، ويؤكد ، ويحث ، ويجبر على سلوك أي وسيلة وكل واسطة ، مهما كان لون ومعدن الوسيلة والواسطة ، ( والغدر والخيانة من الوسائل والوسائط التي تستخدم ) من أجل تحقيق الغاية ، وهي المصلحة والمنفعة للذات السياسية ، والحزب السياسي ……
ف” الرفقة ” الحزبية الوضعية في النشاطات السياسية تعني الخيانة والغدر على أساس ( وبطريقة شيطانية إبليسية ) أنها ذكاء ومكر …. أكثر منها الى شيء آخر … ما دامت هناك مصالح حزبية ، ومنافع ذات متحزبة مسؤولة …..
حسن المياح – البصرة .