الإنسان والمسيرة الإنسانية الحضارية .. ( الحلقة الأولى )
بقلم : حسن المياح …
الإنسان مخلوقآ ، هو فرد من أفراد المسيرة الإنسانية الحضارية ، وهذه المسيرة الحضارية هي في حركة صاعدة مستمرة نامية واعية هادفة طامحة ، ولا بد للإنسان — أي إنسان — لكي لا يتخلف عنها ، أن يواكبها جريان إنسجام وصعود متوازن مع حركة صعودها وتناميها ، وإلا فهو المتخلف الوجود الذي لا يعي ، وهو المحروم من الإستقرار ومن العيش الآمن المطمئن الهاديء الرغيد السعيد ……. والإنسان بما أنه مخلوق ، فلا بد له من خالق يستوعبه ويقدر كل مستويات وإحتياجات وجوده وطموحاتها ، ويرشده ويهذبه ، ويعينه ويساعده ، ويدليه ويوصله ، ويتعامل معه ( مع الإنسان ) بقدر ما هو من حاجات ثابتة ، ومن أخرى مرنة متحركة ، حتى يكون صحيحآ وصدقآ أن الخالق هو الإله الحق الذي يستحق العبادة المستوعب لهذا الإنسان بما هو وجود متفرد ، وما هو في مسيرة إنسانية حضارية دائمة الحركة صعودآ ونموآ وتفرعات ، وما يبرز من تناقضات وجدليات خلال الوجود الإنساني بما هو وجود فرد ذات ، وبما هو وجود إجتماعي متكاثر معقد متنامي مضطرب متناقض ، بما ينطوي عليه الإنسان وما يملكه من — كأصل خلقة وجود — غريزة حب الذات ، وهي القاضية بتفضيلها على من هو سواها من ذوات ووجودات …… وعليه فلا بد من إله خالق حقيقي مستوعب حي قادر غني عادل رحيم يعالج لما هو عليه من إطلاق صفات وجود ذاتية حتى تتوفر فيه كل القدرات والإمكانات التي تعالج حل كل التناقضات الداخلية في الإنسان ، والخارجية في المجتمعات التي هي مادة المسيرة الإنسانية الحضارية بما هي إجتماع إنسان وإنسان …….. فهذا الخالق المستوعب للإنسان فردآ ، ومسيرة حضارة إجتماع إنسان صاعدة متنامية متطورة نحو ألأفضل والأرقى والأجمل … ، لا بد للإنسان من إرتباط به سوى قبل الإنسان بذلك وإعتقد وآمن ، أو تمرد ورفض وسلب وإنسلخ ، لأن وجود الإنسان وجود الإمكان الذي يتساوي فيه الوجود والعدم لأنه ممكن ، ووجود الإله الخالق وجود وجوب ذاتب حتمي لازم لا عدم فيه لأنه العلة الأولى الواجبة الوجود بالذات ، بلا خلق كما هي عليه العلل التي تخلقها تنتجها من العدم العلة الأولى ، ولا يتحقق وجود الإمكان إلا بوجود الواجب بالذات ، الذي يخلقه من العدم ويصيره وينميه ويكبره بما يهبه من نعم وجود الخالق الواجب الوجود بالذات ، خلقآ وإمتداد مسيرة حياة في عالم الإيجاد والتكوين في الحياة الدنيا ….. ومن الإنسان من يشكر وهم القليل — وقليل من عبادي الشكور — ، ومنه من يكفر وهم الكثير المتكاثر رعونة وجهلآ ، وتخلفآ وعنجهية فارغة ، وجاهلية وغباءآ ….
إذن لا بد من الإرتباط بين الممكن والواجب ، لأن الممكن لا يتقوم وجودآ وحياة ومسيرة حضاريةصاعدة نامية إلا بالواجب ، ولا يمكن للممكن أن ينسلخ عن الواجب ، ويستغني عنه ، حتى وإن تمرد الممكن وكفر ورفض عنجهية رغاء وهواء وفراغ وتصدية ومكاء ، فهو تحت قدرته وقبضته ، ومهما ساب وتاه الممكن لا يمكنه أن ينفلت ، ويخرج عن قدرة الواجب ، لأن الممكن مهما كبر وتضخم ، وإنتفش وتورم ، فهو متحيز في زمان ومكان ، وأنه مرحلة وليس هو الدوام ، وما وجوده إستمرار حياة ، إلا بالإله الواجب بالذات الرحيم الذي يسبغ عليه تنعمآ وإكرامآ بوجود حياة آنسان فرد ، ومسيرة حضارية في وجود تجمع إنسان ……
فالإرتباط للممكن ( الأنسان ) ضروري ، ولا يمكن التخلي عنه ، لأن الحياة والوجود الإنساني لا يتقوم إستقامة إلا على أساس الإرتباط ….. وهذا الإرتباط من حيث الكينونة هو واحد ، ولكن له تنوعات وأشكال ، وحتى الذي يدعي ويزعم أنه ليس مرتبطآ ، هو مرتبط من حيث يعلم أو لا يعلم ، ولكنه العناد والتجري ، والكفر والعصيان ، والظلم والتمرد ، والجهل والتخلف ، وما الى ذلك من صفات الهبولة والرعونة ، ونعوت الغباء والسفاهة ……
والإنسان بما هو مخلوق وجود فرد ، له حاجات ثابتة لا يمكنه الإستغناء أو التراخي أو الإنقلاع عنها ، بإعتبار أن وجوده وحياته متقومان بها ، ولا بد له من إشباع تلك الحاجات لأنها أساس وجوده ، من مثل الطعام والشراب والمسكن والجنس والإجتماع ، وما الى ذلك من حاجات ثابتة مستمرة …… وبما أن الإنسان في حركة وطموح فإن له حاجات متحركة متجددة متعددة متفرعة يعمل على إشباعها من خلال جهده الشخصي وكدحه الذاتي ، وما يحصل عليه من خلال مسيرته الحضارية الإنسانية الإجتماعية التي هي في حركة نمو صاعدة ، وتطلعات طموحات راغبة مستأثرة …. وكل تلك الحاجات لا بد لها من علاجات وتوفير حلول لإشباعها وإرضاءها ، حتى تستقيم حياة الإنسان في عالم الوجود بالإستقرار والراحة ، والهناء والسعادة …….
وهذه العلاجات لا بد لها من منتج مقتدر ، ومقدم مطلع محيط مستوعب ، ولا يمكن إنتاجها وتقديمها إلا إذا أستوعبت الحاجات بكل تنوعاتها وإختلافاتها وتعدداتها ، وأمكن من السيطرة عليها بفهمها ووعيها وتقدير دقائقها وشمول متطلباتها ، وحل كل تناقضاتها وما تنتجه من إفرازات إختلافاتها ……… وكل هذه الأمور والهموم والمهام لا يمكن أن تعالج إلا من خلال الإرتباط بالإله المطلق المستوعب للإنسان بما هو فرد ، وبما هو إجتماع مسيرة حضارة وجود إنسان عامل كادح ، متطلع متحرك ، واع مدرك ، يستهدف الوصول الى الغاية التي من أجلها خلق الإنسان ووجد ، وتكون وتقوم ، وعاش وتحضر …….
فإذن للإرتباط قيمة ووجود ضروري ، بما هو حل وعلاج ، ودواء وشفاء ، وتكامل وحركة نمو مسيرة ، وحضارة وتمدن عيش ووجود آمن سعيد مطمئن …… وعلى هذا الأساس تم تشريع العبادات كقيمة إرتباط بين المخلوق والخالق ( الممكن الوجود الإنسان ، والواجب الوجود الله سبحانه وتعالى ) . والعبادات هذه هي علاجات للحاجات الإنسانية الثابتة والمتحركة المتنامية والمتجددة والمتغيرة ، بما هي حالة إستيعاب وقدرة شمول وطاقة توفير …..
حسن المياح – البصرة .