دولة الفساد وفساد الدولة ..
بقلم : أياد السماوي …
عندما يستشري الفساد في كافة مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث ويستحكم بهذا الشكل السرطاني المرعب , فنحن نتحدّث عن دولة الفساد .. وحين نتحدّث عن فساد وزارة ما أو مؤسسة حكومية أو حكومة محليّة , فنحن نتحدّث عن فساد الدولة .. والعراق في ظل النظام السياسي القائم قد أصبح دولة الفساد الأولى في العالم .. ولم تنأى بنفسها من هذا الفساد أيّ سلطة من السلطات الثلاث , حيث استشرى في جميع مفاصل هذه السلطات , بل وأصبحت عملية التصدّي لهذا الفساد هي ضرب من ضروب المستحيل .. وربّ سائل يسأل كيف تمّكنّت ماكنة الفساد من الإطاحة بالنظام القيّمي والأخلاقي للمجتمع ؟ وكيف استطاعت هذه الماكنة أن تنفذ إلى أكثر المؤسسات حصانة في المجتمع ؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال أطرح سؤالا ثانيا ممهدا للإجابة , عندما يمرض الإنسان بمرض ما فإلى أين يلتجأ ؟ والجواب على السؤال لا يحتاج إلى عناء , فمن الطبيعي أن يلتجأ للطبيب لعلاج مرضه , وحين يمرض مجتمع ما بمرض مثل مرض الفساد الذي أصاب المجتمع العراقي , فإلى أين يلتجأ المجتمع للشفاء من هذا المرض ؟ فمن الطبيعي أنّ يلتجأ إلى المؤسسة الدينية , فهي من سيقع عليها العبئ الأكبر وبعدها سياتي دور المؤسسة القضائية ليكون مكمّلا لدور المؤسسة الدينية .. في العراق وللاسف الشديد قد عجزت المؤسستين الدينية والقضائية عن معالجة سرطان الفساد , والسبب في ذلك لأنّ الفساد هو الآخر قد دبّ إلى هاتين المؤسستين واستشرى في العديد من مفاصلها .. وهنا الطامة الكبرى .. نعم هي الطامة الكبرى وهي الخسران المبين ..
فعندما تغلق المؤسسة الدينية أبوابها وتتخلّى عن فريضة ( من رأى منكم منكرا .. ) , وعندما يرى القضاء الفساد وانتهاك القانون يجري أمام ناظريه ويفتك بالدولة والمجتمع ولا يحرّك ساكنا , فاعلم أنّ الدولة قد سقطت في قاع مستنقع الفساد وأنّ المجتمع ذاهب نحو الهاوية .. فالقضاء الذي يتهاوى ويقف حائرا أمام جرائم لجنة ( أبو رغيف ) التي انتهكت الدستور والقانون واقترفت أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي المحرّم دوليّا وعراقيا بحق المعتقلين ولا يحرّك ساكنا , بل ولا يجرؤ أن يتحّقق من صحة مزاعم التعذيب التي مارستها لجن ( أبو رغيف ) بحق المعتقلين والموّثقة بالأدّلة الرسمية , فنحن على اعتاب انهيار الدولة واضمحلالها .. وعندما تتوّرط الحكومة المحليّة في الأنبار بأكبر عملية تزوير في تاريخ العراق الحديث من خلال تزوير عشرات الآلاف من معاملات التقاعد التي توّرطت بها هيئة التقاعد في الأنبار بالتواطئ مع دوائر المحافظة الأخرى والتي تسبّبت بسرقة 484 مليار دولار من المال العام , ولا يعاقب القضاء سوى قاض واحد فاسد توّرط بهذا التزوير , فهذا دليل قاطع إلى إنّ الدولة سائرة نحو الانهيار والاضمحلال .. فصلاح أيّ دولة وأي مجتمع يبدأ من القضاء , فإذا صلح القضاء صلحت الدولة وصلح معها المجتمع , وبعكسها إذا فسد القضاء فسدت الدولة وفسد معها المجتمع .. فالإصلاح والثورة على الفساد يبدأ من القضاء , وما لم ينتفض القضاء العراقي على نفسه ويبدأ بالتراجع عن خطيئته في لجنة ( أبو رغيف ) التي سوّدت وجه القضاء والنظام السياسي القائم , فلن تقوم لنا قائمة . وسيبقى العراق دولة الفساد الأولى في العالم ..
أياد السماوي
في 21 / 12 / 2021