رضا علوان تاريخ ثقافة وليس مقهى
بقلم : هادي جلو مرعي …
كانت الشوارع للتو توقفت عنها صفعات المطر الذي كان ينزل بقوة، وكنت وصديق أبحث عن مقهى ( الجماهير) الذي يرتاده الشعراء والكتاب والصحفيون والمهتمون بشؤون الثقافة، يشربون الشاي، ويتناولون أحاديثهم العالية في الشعر والمناكفات، وتكون أصواتهم خافتة حين يتحدثون في السياسة، وحين عرفت الطريق الى المقهى، ووصلته لم يعجبني الشارع ولا المكان فقد كان باهتا، وقررت الإنسحاب والتوجه الى شارع الرشيد حيث مقهى ( حسن عجمي) وإنتظار الشاي من يد المرحوم (أبي داود) الذي رحل عن عالمنا بعد الغزو الأمريكي ، وكنا منبهرين حينها بالشعراء الفقراء، وبالصحفيين الذين يعملون في صحف بغداد، وكانت المقاه الأخرى عامرة في شارع الرشيد ومنها ( أم كلثوم وتونس والزهاوي) وسواها، عدا عن مقاهي الأحياء الشعبية، وبعضها قريب من الأسواق، وكان روادها العمال وكبار السن والباعة الذين يبتغون الشاي بعد فترة الغداء.
لاتموت الثقافة، ولكنها تشهد تحولات صعبة بسبب الحروب والحصارات والسياسة، وربما يتغير المنتج الثقافي تبعا لتلك الظروف، وبرغم التعقيدات والمصاعب نكتشف إبداعا متزايدا يثير الإعجاب، ويمثل شاهدا على مراحل تاريخية مرت بها البلاد، وكانت أشهر مقاهي بغداد تتوزع على جانبي شارع الرشيد الذي يعد أشهر وأطول شوارع العاصمة وأقدمها، ولعله يثير الحزن والشفقة في هذه الفترة الممتدة من العام 2003 حيث تراجع الحضور فيه بإستثناء بعض النشاط التجاري المحدود، ووجود محال ماتزال تعرض بضاعتها، بين الأعمدة القديمة التي تستند إليها مبان تتكون من طابقين، أو ثلاثة بنيت من عقود بعيدة، وكانت السيارات الفارهة في العهد الملكي تمر به، وفي العهد الجمهوري الى أن تحول إهتمام الناس الى شوارع أخرى أصبحت مقصد العامة للتبضع والنزهة ولقاء الأصدقاء، وتحولت معها المقاه الجديدة، لتكون ملتقى الكتاب والشعراء والصحفيين والساسة، والمهتمين الباحثين عن المعرفة، أو عن صورة، او إقتناص شيء عابر، أو لقاء شخصية عامة، وإلتقاط صورة معها.
من أشهر المقاهي، أو لعله الأشهر من بينها مقهى رضا علون الذي لم يعد ممكنا تجاهل زيارته من قبل الوافدين الأجانب، بينما يتطلع المغتربون العراقيون والمهاجرون والذين يقيمون في بلاد أخرى لزيارته، والجلوس فيه وطلب قهوته المميزة والفاخرة، وقراءة الكتب، والروايات، ولقاء الأصدقاء وخوض نقاشات حادة وباهتة أحيانا، والتطلع في جوانبه للبحث عن شيء ما تصنعه مخيلة تائهة، بينما يمر أبو حسن المصور الجميل ليلتقط صورا لاتكاد تحصى منذ الظهيرة، وحتى منتصف الليل ليوثقها على الفيس بوك، ملاحقا الوجوه المتحركة بكاميرته التي تقتنص الحركات والإيماءات، وتنتهي القصة بومضة سريعة، ويكون الهدف قد سكن ذاكرة الكاميرا ليتحول الى صورة بهية، ثم يتطلع إليها في اليوم التالي على الفيس بوك.