بلاويكم نيوز

حديث الاربعاء في الذاكرة البغدادية

0

بقلم : د. مظهر محمد صالح …
على الساحل الشرقي من البحر الايرلندي ترقد مدينة ابرسويث الصغيرة في مقاطعة ويَلز البريطانية، يوم دخلتها للمرة الأولى قبل اقل من اربعة عقود مضت وأنا أتطلع الى أبنيتها الكلاسيكية الموغلة في القدم والأزقة الضيقة التي تعج بالمخازن الأنيقة المزدحمة بالمتبضعين سواء من أهل المدينة أنفسهم أو ممن جاء من أرياف ويلز القريبة. وجدت نفسي أتخطى طرقاً وأزقة هي من عهد الملكة فيكتوريا، ملكة العصر المحافظ المشحون بالتقاليد!. كان اليوم هو الأربعاء من شهر أيلول والأعين الزرقاء تركزت على ذلك القادم الجديد من بلاد شرق المتوسط، من دون أن ترتبك، وان الجميع يحييك بنظرة باسمة جريئة.
حلت الظهيرة وإذا بالمخازن جميعها قد أغلقت وانسحب المارة وكأنما دخلت المدينة بمنع للتجوال! دهشت من تلك الظاهرة التلقائية
وخلو الناس من أزقة المدينة ودخول الجميع في أعشاش السبات. اتجهت من فوري نحو الشارع العام وهو في شبه خلاء من المارة. ترددت في الكلام الى رجل وامرأة وهما يتكلمان ويضحكان ولكن سرعان ما انقلبا أشباحاً بعد أن أحجبت الغيوم ضوء الظهيرة. تسلقت أدراج منزلي وأمامي مضيفتي وسألتها ما الخطب أيتها السيدة وما الذي جرى في هذه المدينة التي غلقت أبوابها؟ أجابتني بابتسامة عريضة… إنها عطلة منتصف الأسبوع التي تبدأ من ظهيرة الأربعاء وتنتهي صباح الخميس! وكم مر على هذا التقليد من الُعطل؟ أجابتني: إنها عادات دينية ورثتها المدينة منذ أجل بعيد!.
سكنت الى نفسي وتذكرت مظاهر مماثلة كان المجتمع البغدادي يمارسها يوم الأربعاء في عهود سابقة، إذ يمتنع البغداديون من تقليم أظافرهم في ذلك تجنباً للشؤم ومنعا للشر! والأكثر من ذلك فان سكان بغداد ولاسيما النساء يمتنعن عن أعمال الخياطة أو التطريز أو وضع الخيط في سم الخياط، خشية تعرضهن لطالع سيئ !.
ذهبت الى بطون الكتب لأكتشف أن ليوم الأربعاء
جذورا قوية حقاً في الديانات السماوية المختلفة،
فالديانة الأيزيدية تعد يوم الأربعاء من أقدس أيام الأسبوع وتمارس فيه أقدس الطقوس والمراسم الدينية ويرون في الأربعاء بأنه اليوم الأخير من عمل الرب في خلقه للسموات والأرض، ويأتي يوم الأربعاء أيضاً من قدسية (لالش) وتعني الأرض المقدسة، حينما تم إبلاغ آدم وزوجته وابنه، برسالة الخالق سبحانه وتعالى عليهم وجعل الأربعاء عيداً لآدم وذريته.
وفي الديانة المسيحية ولاسيما الكنائس الغربية، فهناك ما يسمى “بأربعاء الرماد”، حيث يحتفل بقداس خاص في يوم الأربعاء من الأسبوع السابع قبل حلول عيد القيامة. وبهذا ستحتفل الكنائس الغربية صبيحة يوم الأربعاء الموافق ٢ اذار/مارس ٢٠٢٢ بأربعاء الرماد Ash Wednesday 2022: March 2، 2022.
، إذ سيجري وضع شيء من رماد سعف النخيل على جبين المحتفلين وتذكيرهم بأن الحياة دار فناء، وأنها من التراب الى التراب. في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ، فان يوم اربعاء الرماد هو أول أيام الصوم الكبير موسم التحضير لقيامة يسوع المسيح يوم عيد الفصح . اذ يبدأ الصوم الكبير في الكنائس الكاثوليكية بالطقوس الشرقية ، قبل يومين ، في يوم الاثنين النظيفة.
في حين يقدس المسلمون وجبة تناول غداء السمك في ظهيرة يوم الاربعاء ويعدون ذلك من السنن المباركة.
ختاما، لا أدري هل كانت عطلة الخياطين في بغداد هي في يوم الأربعاء جاءت على غرار الاثنين عطلة الحلاقين؟ لا أحد يعلم، فقد اختفت الت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط