حبزبوز نيوز …
حذر اللواء الركن جمال إبراهيم الحلبوسي، خبير الحدود والمياه الدولية، من أن العراق مقبل على حالة جفاف صعبة للغاية نتيجة سياسات الدول المجاورة، إيران وتركيا، التي لا تحترم المواثيق الدولية، ضمن اتفاقيات حسن الجوار في التصرف بحصص العراق من المياه، وكذلك نتيجة عدم اتباع العراق المكننة الحديثة في استخدام المياه.
وفي حوار أجرته شبكة رووداو الاعلامية مع الحلبوسي امس السبت، 2 تموز 2022، قال: “ظهرت نزاعات كثيرة بين دول العالم المتشاطئة والمتشاركة في أحواض الأنهار الدولية العابرة لعدة أقاليم أو دول وقد وصلت بعضها إلى شن الحروب من أجل السيطرة على مجاريها والاستحواذ على مقدراتها ومنافعها”.
ونفى خبير المياه والحدود الدولية، جمال إبراهيم الحلبوسي، الانباء التي تداولتها، مؤخراً، مواقع اخبارية على شبكات التواصل الاجتماعي، الفيسبوك وتويتر وانستغرام، من معلومات وصور وفيديوهات تتحدث عن وجود بحر من المياه العذبة ظهر فجأة في الصحراء الغربية من العراق ضمن حدود محافظتي الأنبار وكربلاء. ووصف هذه الأخبار بـ”مبالغة كبيرة”.
وفيما يلي نص الحوار:
المياه الجوفية ليست بالحجم الكبير
رووداو: هل توجد مياه جوفية وفيرة في صحراء الأنبار؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: نعم توجد مياه جوفية في صحراء الأنبار كما هو ببقية الأراضي العراقية وتعتبر المصدر الثالث للمياه في العراق، وهي ضمن معدل عمق 200 – 700 متر وليست بالحجم الكبير جداً.
رووداو: هل تعتقد من الممكن تنفيذ مشروع مثل “النهر الصناعي العظيم” الذي كان قد ظهر في صحراء ليبيا منتصف الثمانينات؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: النهر الصناعي العظيم في ليبيا تم تأمين مياهه الجوفية وإخراجها بواسطة مضخات كبيرة لسحب المياه الجوفية ورفعها إلى السطح لتكون على شكل نهر تم تصميمه وحفره صناعياً، أي ليس نهراً طبيعياً، واستخدام المياه فيه لنقلها من جنوب إلى شمال ليبيا. ولا نستطيع تنفيذ مثل هذا النهر فهذا يعتبر مشروعاً كبيراً ويحتاج إلى إمكانيات وتخصيصات مادية كبيرة جداً، اما من الناحية التقنية الهندسية فإن القدرات والامكانيات الفنية والهندسية فهي ممكنة اعتماداً على تقنيات لدى المهندسين العراقيين. لكن حجم الفساد والمحسوبية واستقدام شركات أجنبية رصينة أو ذات خبرات فنقول لا يمكن تنفيذه أبداً.
رووداو: ما رأيكم بالمعلومات والصور التي ظهرت على شبكات التواصل الاجتماعي حول ظهور بحر من المياه العذبة في صحراء الأنبار؟ ما هي حقيقة وجود بحر من المياه الجوفية في صحراء الأنبار؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: مقطع الفيديو الذي تم نشره مسبقاً فيه مبالغة كبيرة فهو يمثل عملية تنظيف لبئر ارتوازي ليس أكثر حيث يتم ضغط كميات كبيرة من الهواء بواسطة مضخة تتصل بأنبوب لرفع المياه للأعلى، وهذا من الأمور المسلّم بها في إدامة الآبار حيث تخرج إلى السطح كميات طينية مع المياه.
اللواء الركن جمال إبراهيم الحلبوسي
رووداو: إذا كان هذا البحر كما تسمونه، موجوداً فلماذا لا يتم استخدام مياهه للزراعة؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: لا توجد مياه جوفية تخرج للسطح بشكل طبيعي وبدون واسطة ميكانيكية (مضخات) لسحبها، والمياه المستخرجة يمكن استخدامها للزراعة والادامة وتعتبر مكلفة نوعاً ما إذا لم ترافق هذه العملية طرق استخدام حديثة للمكننة والسقي ومراعاة الإقتصاد بالمياه والحفاظ عليها.
رووداو: هل المياه الجوفية قابلة للتعويض والتجدد أم أن استخدامها يقلل من رصيدها؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: المياه الجوفية الموجودة في باطن الأرض تكون بطبقتين أو بثلاث طبقات وأقربها الطبقة الاولى لقلة عمقها حيث يتراوح بين 100 – 1000 متر حسب قربها أو بعدها عن الأنهار والمياه السطحية. ويتم تجديد هذه المياه بشكل مستمر من خلال الأنهار وتساقط الأمطار، كما أن الاستخدام التعسفي وغير المخطط له يقلل من حجم وخزين المياه الجوفية.
البحث عن المياه الجوفية في صحراء الانبار
رووداو: هل هناك احصاء أو رقم معين للخزين المائي للمياه الجوفية في العراق؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: يقدر إحتياطي المياه الجوفية المتجدد في العراق بنحو (6 – 7) مليار متر مكعب سنوياً منها ما يقارب (900 – 1000) مليون متر مكعب في منطقة الصحراء الغربية، وكل هذه تقديرات وليست مبنية على دراسات استكشافية ولا توجد دراسة مستوفية إلا التي تم تقديمها لهيئة المستشارين من قبل بعض الشركات الأجنبية.
البحث عن المياه الجوفية في صحراء الانبار
رووداو: ما هي خريطة توزيع المياه الجوفية في العراق؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: تم إعداد خارطة للمياه الجوفية في العراق مثبت فيها أعماق المناطق بناء على واقع حال الآبار المحفورة وكما مبين في الخريطة المرفقة.
خريطة توضح وجود المياه الجوفية في العراق
الجفاف قادم
رووداو: هل تعتقدون بصحة المعلومة التي تقول إن العراق سيكون بلا أنهار في عام 2040؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: معظم الدراسات الدولية والأبحاث المحلية تشير إلى تناقص كميات المياه السطحية لأسباب عديدة من اهمها قطع معظم الأنهار الحدودية من قبل تركيا وإيران أو تقليلها إلى نسبة 40% وهي المصدر الرئيسي لديمومة جريان هذه الأنهار واستمرار تدفقها، وما يرافقها من التغيرات المناخية وقلة كميات الأمطار المتساقطة داخل القطر.
جفاف الانهار بسبب سياسات ايران وتركيا
رووداو: هل سيعيش العراق (بلاد الرافدين) حالة من الجفاف؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: إضافة لما ذكر آنفاً، فإن هناك أسباباً أخرى تجعل العراق سيعيش حالة جفاف مستمرة بسبب التزايد السكاني والحاجة الفعلية لأراضي زراعية بمساحات أكبر مما هو عليه الآن وعدم استخدام الطرق الحديثة في الري والسقي وتغييرات حالة ونوعية المياه البيئية بسبب رمي مخلفات الصرف الصحي والصناعي وتداخل مياه المبازل مع الأنهار والتبخر ووجود أحواض السمك داخل مجاري الأنهار وتجاوزات استخدام الحصص المائية بين المحافظات.
رووداو: ما هي أسباب جفاف بحيرة الرزازة وبحيرة حمرين والأهوار؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: كانت حصة العراق من المياه في نهري دجلة والفرات وروافدهما لا تقل عن (100) مليار متر مكعب قبل عام 1990، وبسبب إنشاء تركيا أكثر من 23 سداً كبيراً وبحدود 100 سد صغير لحصاد مياه الأمطار، وقيام إيران بإنشاء أكثر من ثمانين سداً لقطع مياه الأنهار المشتركة مع العراق البالغ عددها (42) والظروف المناخية والاستخدام الكبير للمياه دون تخطيط زراعي مبني على الحاجة الفعلية والجدوى الاقتصادية من زراعة المحاصيل الزراعية، جعل خزين البحيرات العراقية جميعها في نقصان مستمر وظهرت أكثر الاضرار التي حصلت الآن في بحيرات الرزازة وحمرين والحبانية والأهوار الجنوبية.
جفاف الانهار بسبب سياسات ايران وتركيا
عدم الالتزام بالاتفاقيات
رووداو: تركيا تقول إن العراق يهدر مياه نهري دجلة والفرات ويدعها تذهب إلى الخليج بدون ان تبني خزانات لحفظ هذه المياه.. ما هو رأيكم؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: هذا الكلام غير صحيح فالعراق منذ اتفاقية حسن الجوار الموقعة بين العراق وتركيا في أنقرة عام 1946 والتي تضمنت بعض بنودها الرئيسية موضوع المياه بين البلدين واستمرت الاتفاقيات والبروتوكولات بين البلدين لمراعاة الحصص المائية في عام 1971 وعام 1980 وتوالت بقية البروتوكولات والمحاضر الرسمية إلى يومنا هذا، وتقوم تركيا باستمرار بالتهرب من التوصل إلى حصص مائية ملزمة لها بتنفيذها، كما أن السدود والبحيرات الموجودة والبنى التحتية كافية لحاجة العراق من المياه لو قامت تركيا بتزويد العراق بالحصص المقررة. أما كون المياه العذبة تذهب إلى الخليج العربي فهذا الكلام أيضاً غير صحيح فواقع الحال أن شط العرب وتقدم وامتداد اللسان الملحي من البحر داخل شط العرب والى حد مدينة القرنة يكشف حقيقة إدعائهم، ونضوب معظم مياه الأهوار سبب واضح لشحة مياه الأنهار.
رووداو: هناك من يلقي اللوم على وزارة الموارد المائية العراقية كونها لم تخطط وتقيم مشاريع لحفظ المياه؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: لا تتحمل وزارة الموارد المائية العراقية كامل الأسباب لوحدها والسبب يعود إلى استراتيجية الدولة للتعامل مع ملف المياه العراقية وهي سلطة أعلى من مستوى الوزارة من جهة وكون الحصص السابقة مع قلة عدد السكان والحاجة الفعلية القليلة للمحاصيل الزراعية نسبة لما هو عليه الآن لم تؤشر حجم الضرر الهائل الحاصل في وقتنا الحاضر، أما المشاريع الاروائية والمبازل فقد كانت وما تزال بحالة جيدة وتخدم بالقدر الكافي لو كانت هناك كميات مياه عابرة للعراق من الدول المجاورة.
رووداو: باعتقادكم لماذا لا يتشدد العراق مع إيران وتركيا للحصول على حصته من المياه؟
جمال إبراهيم الحلبوسي: العراق لم يأل جهداً من أجل المطالبة بحصصه المائية مع الدول المجاورة: تركيا وإيران وسوريا، فقد تم عقد عشرات الاتفاقيات والبروتوكولات المشتركة حول المياه ولم تمر سنة إلا وكانت هناك مفاوضات وإجتماعات على مستويات مختلفة فنياً ودبلوماسياً وسياسياً، إلا أن هذه البلدان غلبت مصالحها وحاجتها المستقبلية لعشرات السنين على الموقف الانساني وحقوق الجوار والاتفاقيات الدولية للمياه مثل اتفاقية الأمم المتحدة للأنهار والمجاري غير الملاحية الموقعة في جنيف عام 1997 والتي أصبحت ملزمة لكافة الدول المتشاطئة.