تنافر اخوي بين طرفي الجسر المعلق
بقلم: كاظم فنجان الحمامي …
في مشهد مخيف، لا يصدقه العقل، ولا يقبله المنطق، تظاهرت جموع غفيرة من اتباع آل البيت في بغداد ضد بعضهم البعض، حيث ساقتهم تداعيات العملية السياسية إلى التحشد بأعداد هائلة بين كفتي الجسر المعلق، في منظر سجلته الأقمار الصناعية وكأنه لوحة فيزيائية لتزاحم ذرات الحديد، التي تحمل الخواص نفسها، وتراكمها حول قطبين مغناطيسيين متنافرين. .
كانوا جميعهم ينتمون الى بلد واحد، ونسيج اجتماعي واحد، ودين واحد، وطائفة واحدة، وقومية واحدة، ومذهب واحد، وفرقة واحدة، لكنهم تجمعوا الآن في شهر محرم الحرام، تحت رحمة الشمس الحارقة، لكي يعبروا للعراقيين عن خلافاتهم المتجددة، وانقساماتهم المتنافرة. بينما وقفت الحكومة وسلطاتها التنفيذية فوق تلال الفرجة والمراقبة، واختار العراقيون (من عرب وكرد وتركمان وأقليات) الوقوف على ضفة الحياد، وقلوبهم تعتصر ألماً وحسرة لصراع الأخوة الأعداء، في سابقة تاريخية وسياسية ووطنية لا تخطر على بال أحد. .
على جسر آخر من جسور دجلة (جسر الرصافة) كانت جنازة الأمام الكاظم مطروحة والمنادي ينادي: هذا إمامكم، قد مات حتف أنفه، فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه، وإذا به الإمام موسى بن جعفر، فتعالت صيحاتهم بالعويل والبكاء: وا إماماه، وا كاظماه، وا سيداه. فسمع صراخهم سليمان عم هارون، فقال: ما الخبر ؟. قيل له: إن على الجسر جنازة أحد الناس مات في سجن الخليفة، فقال: ما أكثر الذين يموتون في السجن، ولكن مالي أرى بغداد تموج بأهلها ؟. ويحكم انظروا جنازة من هذه ؟، فذهبوا وسرعان ما رجعوا وهم يقولون: يا أمير إنها جنازة رجل حجازي، فقال: انظروا من أين ؟، فقالوا: إنه من بني هاشم، فقال: ويحكم أنا من بني هاشم. من تكون هذه الجنازة ؟. قالوا: هي جنازة موسى بن جعفر، فصاح بولده وغلمانه: انزلوا إليهم وخذوه من أيديهم، فنزلوا إليهم، وأخذوه من أيديهم، فأمرهم سليمان أن يضعوه على مفترق أربع طرق، ثم نادى المنادي: ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليحضر. .
وبعد قرون طويلة على استشهاده، وقف الشيخ محمد علي اليعقوبي فوق ناصية الجسر نفسه، ليقرأ هذه الأبيات:
قضى فغدى ملقىً على الجسر نعشُه
لـه الناس لا تدنوا ولا تتوصل
ونادوا على جسر الرصافة حوله
نداء له السبعُ الطباقُ تزلزل.
اما اليوم فقد تفرق اتباع الإمام الكاظم بين طرفي الجسر المعلق، في مخالفة صريحة لوصايا أمير المؤمنين، التي قال فيها: اعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا، فإن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام. .
ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيء لنا من أمرنا رشدا. .