لماذا لا يعتذر (الحكام) عن أخطائهم؟
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
الخطأ: هو (ارتكاب الذنب بغير تعمد).. لذلك وضع المشرع مادة في القانون العراقي اسمها (القتل غير المتعمد)، ووضع مادة مختلفة عنها، اسمها (القتل المتعمد مع سبق الاصرار والترصد)، ليفرق بينهما، أي بين القتل الخطأ، والقتل العمد، لذلك نجد الفرق في العقوبة بين الجريمتين كبيراً جداً.
وبما أننا بشر، نخطئ ونصيب، وحصول الخطأ أو السهو أمر طبيعي في حياة الفرد خلال مسيرة الحياة، فقد بات الإقرار بالخطأ والاعتراف به، وايضاً الاعتذار عنه، واجباً أخلاقياً وانسانياً حاسماً، مادام الفعل قد حصل بالخطأ وليس عمداً.
ألم يقل رسول الله:
“كلُّ بني آدم خَطَّاءٌ، وخيرُ الخَطَّائِينَ التوابون”؟.
ومع ان بعض الأخطاء الفردية البسيطة لا تؤدي الى نتائج خطيرة، خاصة الأخطاء التي تحصل بين صديق وصديق، أو بين عامل وزميله في المعمل، أو بين طالبة ومعلمتها، أو بين شاعر وشاعر، أو بين هذا وذاك، لكن الاعتذار ضروري، بل وأمر جميل ..
صحيح أني أتحدث في هذا المقال عن الأخطاء العامة بكل اضرارها، سواء البسيطة أو الفادحة، لكني أردت الحديث بالتحديد عن الأخطاء المؤذية جداً، أو التي نسميها (كارثية)، بمعنى تلك التي يترك بعضها أثراً جمعياً فادحاً، مثل أخطاء حكام العدل (القضاة)، وأخطاء الحكام التنفيذيين الذين يديرون شؤون الدولة والحكومة، وأيضاً حكام كرة القدم!
وإذا كانت أخطاء القضاة باصدار الأحكام، معرضة للمعالجة والتعديل، بل والنقض أحياناً من قبل محكمة التمييز، وبعدها محكمة الاستئناف، ومن ثم محكمة التمييز الاتحادية، فهذا يعني أن خطورتها تصبح أقل، مادامت القرارات غير قاطعة، وتخضع بعدها لعمليات (فلترة) تمييزية.
أما بالنسبة لأخطاء حكام كرة القدم – وأرجو أن لا يستهين البعض بخطورتها فهي أيضاً يمكن معالجتها بمساعدة الفيديو لاسيما بعد ادخال تقنية ( الفار ) على ملاعب كرة القدم!
وقد يسأل البعض هنا:،
- وماذا إذا تجاهل الحكم، (الفار) ولم يأخذ بوجوده؟
هنا سيكون الحكم مخطئاً مثل أي شخص مخطئ،
وعندما يكرر الخطأ ذاته، وفي المباراة ذاتها، فسيتهم هذا الحكم بالتحيز حتماً، كما حدث مع حكم مباراة أمس بين فريقي برشلونة، وانتر ميلان الايطالي، حين الغى الحكم هدفاً صحيحاً لفريق برشلونة بداعي (لمس اليد)، وذلك بعد مشاهدة الفيديو (الفار)، ومع أن الهدف صحيح، لكن الحكم قرر الغاءه، بعدها بدقائق أبعد احد مدافعي الأنتر بيده كرة في داخل منطقة الجزاء، واستحق عقوبة (البنلتي) لكن الحكم لم يحتسب الجزاء، لا ولم يذهب لمشاهدة (الفار) ليتأكد كما فعل في الغاء الهدف قبل قليل، ورغم اعتراض لاعبي برشلونة ومدربهم، ورغم أن ضربة الجزاء كانت واضحة دون الحاجة الى (الفار)،حتى أن محللي قناة (بي أن سبورت) الرياضية، – المعروف اغلبهم بمناصرة ريال مدريد، قد أجمعوا على صحة ضربة الجزاء-! إلا أن هذا الحكم أصر على قراره، فخسر برشلونة ظلماً، مما تسبب بجرح مشاعر الملايين من محبي البرشا في مشرق الأرض ومغربها، ولعل المشكلة الأكثر وجعاً أن هذا الحكم قام بمعاقبة مدرب برشلونة وثلاثة من لاعبيه بدلاً من أن يعتذر لهم !
أما الأخطاء الأكثر خطورة، وهذا بيت القصيد، فهي أخطاء حكام الدول، فهؤلاء ليس أمامهم محكمة تمييز فتوقفهم، ولا عندهم تقنية ( الفار)، لذلك هم يسلخون جلودنا باخطائهم مباشرة، فضلاً عن أن هذه الاخطاء لا تدمر فريقاً، ولا تحطم بلداً أو شعباً فقط، إنما أحياناً تدمر منطقة بكاملها، أو تسحق أجيالاً بشرية متعددة، كالأخطاء التي ارتكبها هتلر وموسوليني، وفرانكًو، وبينوشيت وعيدي أمين، والقدافي وشارون وصدام حسين، وانتيبفلتش، وغيرهم.
والمصيبة أن هؤلاء مضوا الى قبورهم- وبعضهم لم يجد له قبراً – دون أن يبعثوا كلمة اعتذار واحدة لضحاياهم، فهل اعتذر هتلر مثلاً لـ 25 مليون قتيل (سوفيتي) سقطوا بسبب جنونه، وهل اعتذر بينوشيت للشعب الشيلي، ولأصابع الفنان فيكتور جارا التي قطعها بملعب سانتياغو، وهل اعتذر (جونسون) لعوائل الملايين الثلاثة من ابناء الشعب الفيتنامي الذين قتلوا بابشع الاسلحة في حرب فيتنام، وهل اعتذر نتنياهو او شارون لوالد الطفل محمد الدرة، ام اعتذر صدام للشعب الكويتي، وقبله للشعب العراقي، أو اعتذر علي حسن المجيد للشعب الكردي الذي قذفه بسلاح الكيمياوي، أم .. وأم .. وأم من اولئك الحكام الطغاة، الذين أصروا على المضي قدماً بجبروتهم ودمويتهم دون كلمة اعتذار؟، ألم نر صدام حسين كيف وقف في المحكمة وهو يدافع عن مشروعية جرائمه، متحدثاً بلغته الفجة عن (العروبة والكرامة وتحرير فلسطين) وكأن العروبة لن تسمو ولن تعلو إلا بإعدام شقيقي ( أبو سلام) وموت أمي وجعاً على فقد ابنها البكر، أو أن فلسطين لن تتحرر إلا بعد إبادة نخيل الدجيل وذبح أبنائها الفقراء الطيبين ؟!
أي منطق هذا، وأي روح شريرة يملكها هؤلاء القتلة السفاحون؟
أما حكامنا الذين فشلوا في قيادة سفينة البلد نحو شاطئ الأمان، والذين ظلوا مصرين على البقاء فوق الكرسي، مستخدمين من اجله اشرف الوسائل وأقذرها، فهؤلاء مصيبة المصائب، ولا ننسى الذين يواصلون السعي ليل نهار من اجل العودة لهذا الكرسي اللعين، ولا أخص أحداً بعينه، إنما أتهم كل من أجرم بحق الشعب دون استثناء، فهؤلاء جميعاً لن يكتب القدر لهم سوى الاندحار، ولن ينالوا غير الخذلان والهزيمة!
لذا يجب ان يعترف المخطئون باخطائهم ويعتذروا للشعب عنها، قبل فوات الأوان، وأن يفسحوا المجال لغيرهم في التجريب، عسى أن ينجحوا فيما فشلوا هم به
ودعونا أن نبدأ الاعتذار من بيوتنا ومحلاتنا، ومن أقرب الناس الذين أخطأنا بحقهم، فالاعتذار شجاعة، وفضيلة وثقافة متقدمة، وهو سلوك دائم في الدول الديمقراطية.
أما في الاعتذار (السياسي) فإن هناك تاريخاً متجذراً في تربة الدول المتحضرة يعبّر عن الجرأة بمواجهة ومعالجة الخطأ من اجل استقرار سياسي وأمني واقتصادي واجتماعي.
مثال على ذلك ما حصل في اليابان حين انحنى وزير الكهرباء لمدة 20 دقيقة للشعب الياباني تعبيراً عن اعتذاره لانقطاع الكهرباء أي بقدر مدة انقطاع التيار الكهربائي، فهل يجرؤ وزير كهرباء بلدنا على الاعتذار ولو لدقيقة واحدة ؟!
“إن الاعتذار يعبر عن حنكة سياسية، فالاستهانة بمصالح الشعب والدولة ايضا بألفاظ فضفاضة بهدف عدم الاعتراف بالخطأ يمكن ان تؤدي الى خسارة سياسية كبيرة للحكومة وأدواتها”.
والخلاصة، أن المنصب لم يكن يوماً أهم من الوطن ولا من الناس، ولا هو أفضل من السمعة الطيبة وامامنا الزعيم قاسم مثالاً حياً على ما أقول، ويقيناً أن المنصب يزول يوماً ما، لكن (رصيد) الإنسان، وتاريخه، وسمعته الطيبة لن تنفد أبداً..
وهنا استذكر موقفاً رائعاً للكابتن حسين سعيد، حين طلب مني رئيس الحكومة الحالي – الذي كان صديقي وقتها- أن أقنع حسين بالموافقة على انضمامه للتشكيلة الحكومية كوزير للشباب، وفعلاً اتصلت به، مستغلاً المودة والاحترام الذي بيني وبين الكابتن، ونقلت له رغبة الرئيس المكلف، لكن (حسين) كرر أمامي الاعتذار ذاته، وحين سألته عن السبب، قال لي بأدبه المعروف: إن ميداني كما تعرف هو الملعب بكل تفاصيله، اما الحكومة فهي ليست ميداني، ولا ملعبي قط !
فقلت في سرّي محيياً زهده: ياسلام عليك أبو عمر !