المُتقاعدون فقراء الله على الأرض
بقلم : سمير داود حنوش ..
لم تعترف بِكُم سُلطة او نظام ، لن يراكم أو يُحدِث صوتكم ذلك الصَدى تحت قُبّة البرلمان لايشعرون بإهآتكم.
صُمّتْ الآذان، خُرِسَتْ الألسُن، جَفّتْ الأقلام، ورُفِعَتْ الصُحف، فَلم تعد صرخات إستغاثتكم تُجدي نفعاً مع هؤلاء لأنّكم بِبساطة لستُم الكُتلة الأكبر التي تتشكّل منكم الحكومة وعناوينها، لستُم سوى مُسمّيات الفقر والبؤس الذي يُخجِل السُلطة لأنها تتذكّر فيكم قسوتها وفشلها وحتى فسادها.
ذلك الفساد الذي يجعلها تنحني أمام الفاسدين لِتقبيل الأيادي وتُشرعِن لهم اللصوصية والنهب، بينما تتفرّعن عليكم وتغُض الطرف عن دموعكم يا فقراء الله على الأرض.
تغنّى الإعلام في إحدى المرات بِمسؤول وَصَفّقَ لِفاسد يرتدي حِذاء لايتجاوز ثمنه عشرة آلاف دولار فقط لاغير أي ما يُعادل مجموع رواتبكم حتى الممات، فهل هُناك عدالة أكثر من ذلك؟ وهل من يشُك أننا نعيش في عالم العدالة والمُساواة؟.
في بلاد الكُفر والضلالة! تتكفّل تلك الدول الكافِرة بِحياة المُتقاعد وطريقة معيشته بعد خروجه من الوظيفة وإستراحته في البيت عِرفاناً منها بِسنوات شبابه التي أفناها في خدمة البلد الذي ينتمي إليه، وتوفّر له كُل مُستلزمات الراحة والشعور بالإمتنان للشَيّبة البيضاء التي إمتزج بياضُها مع تعب السنين ورِحلة العمل المُضنّي للحياة.
في بلدنا لاتستحي السُلطة من ذلك الشعر الأبيض كما يستحي منها الله، ولاتَخجل وهي ترى من أفنى حياته في خدمتها مُتسوّلاً في شوارع المدينة بعد أن منحته راتباً تقاعدياً في نهاية خدمته لايُعادل ثمن جوراب لإبن أو حفيد مسؤول، ولايكفي سوى لِوجبة واحدة في اليوم لِعائلته ومصاريف علاجه.
البؤساء الذين تحدّث عنهم (هوغو) في قُصّته ربما تكونون أكثر بؤساً منهم، لأنكم خُدعتُم عندما ظننتم أن سنوات خدمتكم ستشفع لكم بنهايات سعيدة لدى السُلطة التي ستُشعِركم بالإمتنان والعِرفان لِسنوات أعماركم التي ذابتْ تحت أنظارها وأنتم تتجرّعون ذلك الصبر العجيب الذي خَلّفته سنوات الحروب وقسوة زمن الحِصار الذي فَرض عليكم أن تأكلوا الرز المخلوط بِنوى التمر.
لم يرحمكم السابقون وحتى اللاحقون لِتظلّوا كما كُنتم وحيث أصبحتم بؤساء، مساكين، تتصدّق عليكم السُلطة بِبضع دنانير معدودات.
المُتقاعدون فقراء الله على الأرض، بل هم البؤساء الذين ينتظرون رحمة السماء أن تُعجّل بإنقاذهم بعد أن يأسوا من رحمة من هُم على الأرض.
لاتشعر السُلطة بالذنب وهي تبخُس المُتقاعدين حياتهم، لكنها تنتفض وبِسرعة وتهتز كرامتها عندما يتقاعد البرلماني أو الوزير أو حتى الرئيس، عندها تنحني أمامهم وهي ترفع لهم وعلى أطباق من الذهب صكوك الرواتب الخياليّة والإمتيازات والمنافع وحتى الحمايات نظير خدمة لا تتجاوز بضعة أشهر، لِمَ لا فهؤلاء مواطنون من الدرجة الأولى، أمّا أنتم فَمِنَ الدرجة الثالثة أو الرابعة أو حتى العاشرة.
حقاً إننا نعيش في زمن العدالة والمُساواة..أليس كذلك أيُّها المُتقاعدون؟.