الأمن الغذائي للمجتمع
بقلم: هادي جلو مرعي ..
الإقتصاد لاينفصل عن السياسة، وربما كانت السياسة هي الإقتصاد، ولأجله وجدت وأفاضت بمالديها من فكر وبراغماتية وتلون وحدة وإنزياح نحو الممكن والمستطاع، وتجاهل مالايصعب الوصول إليه، وكل شيء هو إقتصاد، فالمدرسة والعمل والمهن جميعها إقتصاد، بل وعلاقات الناس ووجودهم إقتصاد، وإنما يعبدون ربهم بحافز الإقتصاد ويقاتلون ويسالمون ويثورون بفعل الإقتصاد، ولعلها تنهار الأمم بفعل الإقتصاد، وربما قامت وسادت، ولعل بعض الحكومات تحتال في الإقتصاد لتحكم الناس وتسيطر، أو تتجنب غضبة الشعب، وبسبب الإقتصاد قطعت رؤوس، وحشر ساسة في مكبات النفايات، أو قتلوا بالرشاشات، وحبسوا ونفوا، وربما إندفع الشعب بكامله نحو قصور الحكام بفعل الإقتصاد.
يقول رجل حكيم، عجبت للرجل يدخل بيته، فلايجد خبزا كيف لايخرج شاهرا سيفه! بينما يقول الرسول الكريم: لولا الخبز لما عبد الله. وفي القرٱن وصفت العلاقة بين العبد وربه بالمتاجرة النافعة، تجارة لن تبور، وهو القائل سبحانه، من يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا مضاعفة، بينما جعلت الزكاة تنقية وتطهيرا لأموال الأغنياء الذين يجودون بها على الفقراء ليقوموا حياتهم، ويكتفوا من الطعام والثياب والدواء وبقية الحاجات الضرورية لدوام الحياة.
قامت الثورة الفرنسية حين لم يعد الشعب يجد الخبز،، وزادهم تنمرا نصح مليكتهم أن يلجأوا الى الكعك!! وعجبت لمن يحرم الخبز كيف يجد الكعك ؟ ولعل ٱخر الهيجان الذي كان في سريلانكا حين هب الشعب بكامله الى قصر الرئاسة، وفر الرئيس والحاشية الى البحر عندما ضاقت بهم السبل، وكم من ثورة وإنتفاضة وصراعات قاتلة قامت بفعل الحرمان، وكانت دوافعها إقتصادية بحتة. وفي العراق لم يكن من بد من معالجة ٱثار الحصار الأمريكي عام 1991 إلا اللجوء الى حلول تخفف معاناة الناس من نقص الغذاء فكانت الحصة التموينية التي تحتوي المواد الأساسية اللازمة لديمومة الحياة، وفي مقدمتها الطحين المصنوع من الحنطة والرز وزيت الطعام والشاي والسكر والبقوليات، والعراق اليوم يقدم لشعبه سلة غذائية، ويستورد ملايين الأطنان من القمح والرز والشاي والسكر ومعجون الطماطم، وكل مايلزم الأسرة، وتجهد الحكومة في توفير ذلك من مناشيء عالمية، بل وقامت بتوزيع حصص إضافية على ذوي الدخل المحدود مع إرتفاع سعر صرف الدولار.
وعلى ذكر الدولار، ونتيجة لعوامل سياسية وإقتصادية وسلوك إداري ومالي إرتفع سعر صرف الدولار الى مستوى قياسي أثار ضجة وقلقا في الأوساط الشعبية ووسائل الإعلام، ثم إرتبك المشهد الإقتصادي، وإحتج العاملون في التجلرة والمضاربون، والذين يضطرون لتداول الدولار في تعاملاتهم اليومية، وإرتفعت أسعار السلع بشكل لافت، وأثرت في القدرة الشرائية للمواطنين الذين إنتظروا حلولا حكومية ناجعة تخفف معاناتهم، وقد إتخذت الحكومة بالفعل العديد من الخطوات الصادمة لكبح جماح ذلك الإرتفاع، والتخفيف من ٱثارة المرهقة، ولاحقت المتلاعبين بسعر الصرف، ولكن الحاجة ملحة لمزيد من الإجراءات الفاعلة والقوية وغير المتسامحة مع الذين يبحثون عن المكاسب دون مراعاة ظروف العامة من الناس وذوي الدخل المحدود الذين لايملكون الكثير لينفقوه لمواجهة التحديات الإقتصادية الراهنة.