متحضرون بجلباب طائفي
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
مشكلة معظم الكتاب العرب انهم مهما بلغوا من الوعي والتحضر تبقى لديهم روابط متصلة بالأوساط التي نشأوا فيها، أو التي تعلموا فيها، وبالطائفة التي ينتمون إليها. فقد تركت الطائفية رواسبها في كتاباتهم، وفي تحليلاتهم، وفي رؤيتهم السياسية. .
أمس وبينما كنت اقرأ مقالاتهم عن الإتفاق الايراني السعودي المدعوم صينيا وعمانيا، لاحظت انهم تناولوا الموضوع من زواياه الطائفية، ولم يتطرقوا إلى بنود الاتفاقية المعلنة والمخفية، ولا إلى تداعياتها السلبية أو الإيجابية، بل وجدوها فرصة للتهجم على السعودية أو التهجم على إيران، فلم أستطع ان أفهم منهم جدواها، ودوافعها، ونتائجها المؤثرة على مستقبل المنطقة، فكل الذي قرأته حتى الآن كان عبارة عن وخزات وطعنات وتلميحات تعكس ألوانهم الطائفية على الرغم من مزاعمهم بنبذها، ومطالباتهم بالتحرر من قيودها. .
أنا شخصيا لم أتوقع انهم يلقون بالاً لمشاعرهم العقائدية عندما يتناولون تشعبات المسارات السياسية في بوصلة العلاقات الدولية، وكنت أظن انهم تخلصوا من عقدهم القديمة. لكنها ظلت على ما يبدو راسخة في عقولهم للأسف الشديد، فوجد القارئ نفسه أمام شريحة متناقضة مع أبسط مبادئ الحيادية. شريحة متمسكة بميولها المذهبية المنحازة إلى هذا الطرف أو ذاك. .
حتى الفضائيات العربية المؤمنة بأهمية التحليل السياسي العابر للديانات كانت تتحدث عن هذا الموضوع بالذات بنفس طائفي، ولم تتناول ردود الافعال العالمية، ولا الشرق أوسطية، ولم تنظر إلى المتغيرات التي ستطرأ على السياسات النفطية المترتبة على هذه الخطوة المفاجئة. واللافت للنظر ان منظمة الجامعة العربية كانت خارج الصفقة، ربما لأنها لا تتقن اللغة الصينية، ولا تجيد الفارسية. وربما غلبت المسحة الطائفية على الموضوع لأن البلدين يعيشان في أجواء طائفية متنافرة، أو لأن توجهات أحدهما طائفية. .
لم نكن نتوقع من المتحضرين والعلمانيين الولوج في المتاهات المذهبية المعقدة. وكنا نتطلع لمن يحدثنا عن تطبيقاتها وآثارها ونتائجها، وهل جاءت في هذا التوقيت لتسدل الستار على العلاقات الخليجية الأمريكية ؟. .
يبدو ان بعض الأقلام الحرة ظلت تستعمل الحبر الطائفي في التعبير عن انفعالاتها السياسية. .
تذكرت هذه الايام المفكر الراحل أحمد فارس الشدياق (1804-1887) الذي تمرد على الطائفية في كتابه الشهير (الساق على الساق في ما هو الفارياق)، فما أحوجنا لقراءته الآن بعد مضي 136 سنة على وفاته. . .