حكّام عرب من الصنف المفترس
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
أغرب ما شهدته البلدان العربية منذ فجر الانقلابات العسكرية المتتالية في منتصف القرن الماضي، هو مسلسل الرئيس الأوحد والقائد الفذ، وصورته التي ظلت تتصدر العملات الورقية والمعدنية والصفحات الأولى في الجرائد اليومية، وأفكاره المنشورة في المقالاته الافتتاحية. تارة بعنوان (وصايا الأب القائد)، وتارة بعنوان (أقوال الزعيم)، وتارة أخرى بعنوان (من فكر القائد الضرورة). .
فقد تعرضت بلداننا إلى موجة من الانقلابات العسكرية في مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان، حتى صارت تلك الانقلابات من الموضات السياسية المتكررة، التي تتغير فيها ألوان الأعلام وايقاعات السلام الجمهوري بعد كل إنقلاب، ثم تباينت الرتب العسكرية والنياشين الحربية التي تزين بدلة القائد المُلهم والفرعون المعظم. وصارت لدينا دولة يحكمها (عقيد)، ودولة يحكمها (مهيب ركن)، ودولة يحكمها (مشير)، وكان القاسم المشترك بينهم انهم ظلوا يحملون المزايا والألقاب التالية:-
- رئيس مجلس قيادة الثورة. .
- مظهره الأنيق بالزي العسكري، وبكل ما يحمله من نياشين وأوسمه منحها هو لنفسه. .
- ظهور صورته على وجه القمر عند اكتمال البدر. .
- استحواذه على درجة الأمين العام للحزب الحاكم. .
- استحواذ اولاده وابناء عمومته على الدرجات القيادية الخاصة. .
ومن القواسم المشتركة الأخرى انهم ظلوا ينتمون إلى المؤسسة العسكرية، بضمنهم الزعماء الذين لم يؤدوا خدمتهم الإلزامية. فتحولت على يدهم تشكيلات الجيش إلى منظمات حزبية ذات طابع عقائدي متشدد. منحوا فيها صلاحيات واسعة لأجهزة الاستخبارات العسكرية، التي لا تختلف كثيراً عن اجهزة الأمن والمخابرات. وأشاعوا الرعب والخوف بين صفوف الشعب على الصعيدين المدني والعسكرية. وتمادوا في تنفيذ عقوبات الإعدام رمياً بالرصاص، أو شنقاً حتى الموت، أو بأساليب شيطانية ممعنة في انتهاك حقوق الإنسان تمثلت بالمقابر الجماعية والإبادة بالكيماوي. وسخروا الأجهزة الإعلامية كلها لتلميع صورتهم، فالتلفزيونات تبدأ برامجها اليومية بالسلام الجمهوري وصورة القائد، وتنتهي بالسلام الجمهوري وصورة القائد. فقدموا للشعب صورة مزيفة للديمقراطية، أو بمعنى آخر: دكتاتورية مغلفة بديمقراطية كاذبة تضمن لهم البقاء على رأس السلطة الحاكمة، ففتحوا أبواب الترشح أمام أي معارض، لكنهم استنفروا الجيش والشرطة وعناصرهم الحزبية لتحقيق الفوز الكاسح بأرقام فلكية ساحقة، أما الذين سولت لهم انفسهم بالتنافس مع القائد الملهم فسيكون مصيرهم السجن مع الاعمال الشاقة، وهكذا فاز صدام حسين بنسبة: 100%، وفاز محمد حسني مبارك بنسبة: 88.6%. وفاز عبد العزيز بوتفليقة بنسبة: 90.2%، وفاز بشار الأسد بنسبة: 97.6%، وفاز اسماعيل عمر جيله في جيبوتي بنسبة: 100%، وفاز عمر البشير بنسبة 94%، وفاز علي عبدالله صالح بنسبة 77.17 %، وسوف يستمر رؤساء الجمهوريات في السنوات القادمة بالفوز المطلق في ظل الديمقراطية الفرعونية المدعومة عسكرياً وحزبياً. وقد تحول هؤلاء الآن إلى ديناصورات في العلوم والفنون والآداب، وخبراء في المشاريع الفاشلة، وتحولوا إلى فقهاء بالدين، بل اصبحوا مسؤولين عن القيم والمبادئ والأعراف الاجتماعية والقبلية، حتى اصبح كل منهم: هو الرئيس الأوحد، والمهندس الأول، والواعظ الأول، والمناضل الأول، والعبقري الأول، والمواطن السوبر. ويتعين على الشعب تقديم فروض الولاء والطاعة، والاصغاء والانصات إلى خطاباتهم اليومية المعادة على الرغم من الفقر والفوضى، وعلى الرغم من تدهور الاقتصاد، وفقدان العملات المالية قيمتها النقدية، وعلى الرغم من كل الهفوات والعثرات والاخفاقات. .
وبالروح بالدم نفديك يا دكتاتور. . .