مظاهراتنا المدرسية في سن البراءة
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
في ستينيات القرن الماضي وما بعدها، كانوا يخرجوننا عنوة من مدارسنا للذهاب مشياً على الأقدام إلى الاماكن التي نقف فيها لاستقبال مسؤول كبير لا نعرفه، أو لتأييد الثورة الجزائرية، أو لدعم القضية الفلسطينية، وكنا نهتف بصوت عال (ضد أو مع) بناءً على توجيهات المعلمين الذين يرافقوننا، ثم نعود أدراجنا مشياً على الأقدام في عز الصيف وتحت وطأة الشمس الحارقة، أو في عز البرد القارس. .
كنا صغاراً لا ندرك ما نقول، وليست لدينا ادنى فكرة عن الأحداث المحلية أو العربية. لكنهم كانوا يسوقوننا كما الأغنام حيثما يشاؤون. ولا احد يبين لنا أسباب خروجنا للتظاهر، وحتى لو شرحوا لنا الاسباب والمسببات لم تكن عقولنا تستوعب ما يقولونه لنا. .
كنا نشاهد التلاميذ الاكبر منا يهتفون بحماس: عاش عاش – عاش الزعيم، فنسألهم من هو الزعيم ؟، فكانوا يتنمرون علينا، أغلب الظن انهم لا يعرفون الجواب. .
ثم انتقلنا إلى المراحل الابتدائية المتقدمة فصرنا نهتف لعبدالكريم قاسم، وبعدها بسنوات صرنا نهتف لعبدالسلام عارف، ثم انتقلنا إلى مرحلة الدراسة المتوسطة فصرنا نهتف لعبدالرحمن عارف. كنا نهتف دائما للمنتصر، أو لتأييد السلطة الحاكمة، (كلما دخلت أمة لعنت أختها). ثم تزايدت معدلات مظاهراتنا في المرحلة الإعدادية. وكان طلاب الاتحاد الوطني يسجلون أسماء الذين لا يهتفون بصوت عال. بمعنى آخر كنا نعمل مجاناً بوظيفة كومبارس عند الحكومة. .
اما أغرب الهتافات التي سمعتها عام 1962 وانا في الصف الرابع الابتدائي. فكانت الهتافات الحماسية لشلة من الطلاب والطالبات، كانوا يعبرون جسر جزيرة السندباد الخشبي، وهم يرددون: (بس هالشهر ماكو مهر). فسألت والدي رحمه الله عن معنى: (بس هالشهر ماكو مهر)، فصفعني صفعة اسقطتني أرضاً. .
اما أغرب مظاهرة شاركت فيها مرغماً فكانت للاحتجاج على حاملة الطائرات الامريكية (ميدوي) التي قالوا انها عبرت مضيق هرمز في السبعينيات. لكن الدولة العراقية لم تطلب من الطلاب التظاهر عام 1991 ضد الأسطول البحري الخامس الذي اقتحم مياهنا الإقليمية، وأغلق مدخل شط العرب. بل طلبت من الطلاب التوجه إلى الملاجئ، ثم اكتشفنا ان الدولة نفسها كانت تختبئ في ملاجئها الخراسانية خوفاً من القصف. .
ولا صوت يعلو فوق اصوات القنابل المدوية. . .