حليمة بنت سوادي : شبعاد الأهوار
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
امرأة ثلاثينية من أبوين عراقيين. سمراء فارعة الطول. ممشوقة القوام. تمتلك سواعد مفتولة، وقوة بدنية استثنائية. نشئت وترعرعت في أعماق الأهوار. تعلمت الصيد والسباحة في سن مبكرة، وتسلحت بالصبر في مواجهة الصعاب بمفردها، وكانت ماهرة في صيد الاسماك بكل الطرق والاساليب السومرية الموروثة، حتى تغلبت على كبار الصيادين في الچبايش وتشعباتها. .
في رأسها بوصلة وخارطة تهتدي بها في توجيه قاربها حيثما تشاء في متاهات المسطحات المائية المترامية الاطراف. حيث يخلو المكان تماماً من الفنارات والعلامات ونقاط الدلالة.
تنهض من نومها قبيل الفجر، وتشق طريقها بمفردها وسط غابات القصب والبردي. لا تخشى الجن ولا الأشباح، ولا الطناطل الأسطورية التي حذروها منها مثلما حذروها من الاقتراب من إيشان حفيظ، الذي زعموا انه يحرس كنوز (أورنمو) المخبئة تحت الماء بين الميمونة والجبايش. ربما كانت الجنيات كلها متعاطفة معها، لأنها كانت ترى فيها ملامح جدتها شبعاد أو جدتها إنانا. .
لم تتزوج (حليمة) حتى الآن، ويقال انها عزفت عن الزواج وارتبطت روحيا بعالم الاهوار منذ زمن بعيد، وهي الآن من أذكى الصيادين وأكثرهم كفاءة. .
فالمجاهدة حليمة تعرف مواسم صيد طيور الحذاف والخضيري والوز وطيور الماء المهاجرة، وتحفظها على ظهر القلب، وتعرف مصائد أسماك البني والشبوط والخشني والحمري. وتتقن طرق التعامل معها. .
لا تؤمن حليمة بأساليب الصيد الجائر، وتشعر بالحزن والألم كلما شاهدت الملوثات النفطية والبلاستيكية تطفو فوق مسطحات مملكتها المائية. .
تتمتع (حليمة) بالفطنة واليقظة والدهاء، وتتفاخر بعزة نفسها، وتكسب رزقها وقوت يومها بجهودها الفردية وعملها اليومي الدؤوب. لا تمد يدها لأحد طلباً للمساعدة. ولا تنتظر الدعم والمدد من منظمات المجتمع المدني المرتبطة بالدولة. .
شاهدت لها لقاءات متلفزة تتحدث فيها بثقة عالية عن مهاراتها في صيد الطيور والأسماك، وارتباطها باسرتها ورعايتها لأشقائها الصغار. .
ختاماً: أناشد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتخصيص راتب شهري من صندوق الضمان الاجتماعي لهذه المرأة السومرية الشجاعة، وأناشد منظمات المجتمع المدني بضرورة احتضانها والاهتمام بها، فالعمر له أحكام ، وربما تجاوزت الخامسة والثلاثين، وآن لها ان تستريح، وتنعم بالطمأنينة والاستقرار بعد هذا المشوار الطويل في الأهوار والجداول والانهار. .