تقرير المهندس :- حيدر عبدالجبار البطاط ..
اتفاقية الخط الأحمر Red Line Agreement هو الاسم المطلق على الاتفاقية الموقعة من الشركاء في شركة النفط التركية (TPC) في 31 يوليو 1928. هدف الاتفاقية كان صياغة الهيكل التنظيمي لشركة النفط التركية وربط كل الشركاء بـ”فقرة إنكار الذات” التي تمنع أي من حملة الاسم من السعي للحصول على مصالح نفطية بشكل مستقل في الأراضي العثمانية السابقة. وتعتبر بمثابة خلق احتكار أو كارتل نفطي، ذو نفوذ هائل، يمتد على مساحة شاسعة من الأراضي. تلى الكارتل بثلاثة عقود تأسيس كارتل آخر، منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوپك)، الذي تأسس عام 1960.
أصول اتفاقية الخط الأحمر يمكن تتبعها إلى إنشاء شركة النفط التركية (TPC) في 1912. وقد تشكلت TPC كشراكة بين رويال دتش/شل ودويتشه بنك والبنك الوطني التركي، بغرض الترويج لاستكشاف وانتاج النفط داخل الدولة العثمانية. إلا أنه في مارس 1914، تمكنت الحكومة البريطانية، المسيطرة على البنك الوطني التركي، من نقل حصة ذلك البنك إلى شركة النفط الأنگلو-فارسية. وفي يونيو التالي، وعد الصدر الأعظم العثماني، محمد سعيد پاشا كچك، بمنح امتياز نفطي لشركة النفط التركية (بملكيتها الحديثة) لتطوير حقول النفط في الولايتين العثمانيتين بغداد والموصل.
الشقيقات السبع
أثناء الحرب العالمية الأولى، صادر الحلفاء حصة دويتشه بنك في شركة النفط التركية TPC وحوّلوا تلك الحصة إلى الحكومة الفرنسية أثناء مؤتمر سان ريمو 1920. في ذلك الوقت، تمنت رويال دتش/شل أن تتمكن من شراء حصة الحكومة الفرنسية كي توازن حصة الـ50% التي لدى الأنگلو-فارسية في شركة النفط التركية. إلا أن رئيس الوزراء الفرنسي ريمون پوانكاريه رفض أي اقتراح كهذا، لأنه كان مصمماً على خلق شركة نفط فرنسية مستقلة يكون بإمكانها منافسة شركات النفط الكبرى البريطانية والأمريكية، اللائي كن يُعرفن جمعاً بإسم “الشقيقات السبع”. الشقيقات السبع كن ستاندرد أويل اوف نيوجرزي (لاحقاً أصبحت إكسون)، ستاندرد أويل اوف نيويورك (سوكوني، ولاحقاً موبيل، والتي في النهاية اندمجت مع إكسون)، ستاندرد أويل اوف كاليفورنيا (سوكال، لاحقاً شڤرون)، تكساس أويل كمپاني (لاحقاً أصبحت تكساكو)، گلف أويل (اندمجت لاحقاً مع شڤرون)، الأنگلو-فارسية (لاحقاً بريتش پتروليوم)، و رويال دتش/شل.
بعد سقوط الدولة العثمانية وانتهاء الحرب، أصبحت شركة النفط التركية قضية رئيسية في مؤتمر سان ريمو في عام 1920، حيث تم تقرير مصير جميع الأراضي الغير تركية ذات الأغلبية العربية والتي كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية. وتم استبعاد شركات النفط الأمريكية من المشاركة في TPC. تلك الخطوة أثارت اتجاجات قوية من كلٍ من شركات النفط الأمريكية، التي خشت من أن يمنع الأوروپيون وصولهم لمصادر النفط الأجنبية وأن يُغرق أولئك الأوروپيين الأسواق العالمية بنفط الشرق الأوسط الرخيص، ووزارة الخارجية الأمريكية، التي عارضت أي محاولة من الحكومات والشركات الأجنبية للتفرقة ضد الشركات الأمريكية الباحثة عن أسواق جديدة وفرص عمل. ولإثناء الأوروپيين عن المعاملة الظالمة لشركات النفط الأمريكية، مرر الكونگرس الأمريكي قانون تأجير المعادن في فبراير 1920، الذي منع حقوق التنقيب في الأراضي المملوكة للعموم في الولايات المتحدة لأي شركة أجنبية تقوم حكومة بلدها بالتفرقة ضد الشركات الأمريكية. إلا أن الحكومتين البريطانية والأمريكية لم تريدا تهديد العلاقات الوطيدة بين البلدين حول هذه القضية. وفي 1928، تم إعادة هيكلة شركة النفط التركية TPC لتضم شركة تنمية الشرق الأدنى (NEDC)، وهي تحالف (سنديكات) نفطي أمريكي يضم ستاندرد أويل اوف نيوجرزي، سوكوني، گلف أويل وپان أمريكان للنفط والنقل وأتلانتيك للتكرير (لاحقاً أركو). ولاحقاً استحوذ كلٌ من جرزي ستاندرد وسوكوني على كامل شركة NEDC بعد أن اشتروا حصص شركائهم في عقد 1930.
فقد أوضحت الحرب للقوى الكبرى أهمية تملك مصادرهم من النفط. أحد الشركاء الأصليين كان شركة نفط ألمانية، وقد استولى الفرنسيون على الأسهم التي يملكها دويتشه بنك الألماني كتعويض عن الحرب وطالبت حكومات حلفاء الحرب العالمية الأولى أن تكون شركات نفطهم شركاء كذلك. وبعد مداولات طويلة وحادة، سـُمـِح لشركات النفط الأمريكية أن تشتري حصصاً في “شركة النفط التركية TPC”، إلا أن ذلك استغرق سنوات عدة حتى انتهت المفاوضات. وفي 31 يوليو 1928، أبرم شركاء TPC اتفاقية الخط الأحمر Red Line Agreement التي ألزمتهم فعلياً بالعمل معاً ضمن النطاق الجغرافي لعمليات للشركة، داخل حدود الدولة العثمانية السابقة (بإستثناء الكويت).
صندوق النفط 1927
حصلت شركة النفط التركية TPC على امتياز للتنقيب عن النفط في 1925، مقابل وعد بأن تحصل الحكومة العراقية على رسم ملكية لكل طن من النفط المستخرج، ولكن ذلك الرسم كان مربوطاً بأرباح الشركة ولا يـُدفع في أول عشرين سنة. بدأ الحفر على الفور، وفي 15 أكتوبر 1927 اكتـُشِف النفط في بابا قرقر شمال كركوك مباشرة. وقد انسابت أطنان من النفط على الأرض قبل السيطرة على البئر المنبثقة، وكان ذلك إشارة لوجود حقل نفط ضخم وعالي القيمة.
سرّع الاكتشاف المفاوضات الجارية حول نسب الشركاء في شركة النفط التركية، وفي 31 يوليو 1928 وقـّع المساهمون اتفاقية رسمية تسمى الآن اتفاقية الخط الأحمر. المساهمون كانوا: شركة النفط الأنگلو-فارسية (التي أصبحت في 1935 شركة النفط الأنگلو-إيرانية (AIOC) وفي 1954 أصبح اسمها بريتش پتروليوم)، رويال دتش/شل، الشركة الفرنسية للبترول (CFP، التي أصبحت في 1991 توتال)، وشركة تنمية الشرق الأدنى (وهي كونسورتيوم من خمس شركات نفط أمريكية كبرى، منهم ستاندرد أويل) وحصل كل منهم على حصة 23.7% من الأسهم، وحصل كالوست گولبنكيان على الـ 5% المتبقية. وقد أنشئت TPC كشركة غير ربحية، مسجلة في بريطانيا، لإنتاج النفط الخام مقابل رسم لصالح الشركاء المالكين لها، حسب حصصهم. الشركة كان مسموحاً لها بتكرير وبيع النفط فقط للسوق المحلية بالعراق، لتجنب أي منافسة مع الشركات المالكة.
الخاسر الأكبر كان العراق. وقد نص مؤتمر سان ريمو على أن يُسمح للعراقيين بتملك 20% من الشركة إذا أرادوا أن يستثمروا فيها، إلا أن شركات النفط نجحت في مقاومة الجهود العراقية للمشاركة، بالرغم من ضغوط من الحكومة البريطانية لقبول مساهمين عراقيين. وفي 1929 تغير اسم شركة النفط التركية TPC إلى “شركة نفط العراق (IPC).
وقيل أنه في لقاء في عام 1928 رسم كالوست گولبنكيان، رجل الأعمال الأرمني خطاً أحمراً على خريطة للشرق الأوسط محدداً منطقة يسري فيها بند إنكار الذات.
وقد قال گولبنكيان أن ذلك كان حدود الدولة العثمانية كما كان يعرفها في 1914. وقال مضيفاً، ينبغي عليه أن يعرف، لأنه وُلد هناك وعاش هناك. راقب الشركاء الآخرون هذا باهتمام ولم يعترضوا. ويبدو أنهم كانوا يتوقعون بالفعل مثل هذه الحدود. حسب بعض الروايات، “الخط الأحمر” لم يرسمه گولبنكيان وإنما قام بذلك ممثل لفرنسا. وترى وزارة الخارجية الأمريكية أن مسألة ترسيم المنطقة قد تم التوصل إليها قبل ذبك بكثير، أثناء المفاوضات بين وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية. إلا أن الاسم التصق بالاتفاقية. فيما عدا گولبنكيان، كان الشركاء عمالقة ذاك اليوم. داخل “الخط الأحمر” تقع الأراضي العثمانية السابقة بالكامل في الشرق الأوسط بما فيها شبه الجزيرة العربية (زائد تركيا) ولكن باستثناء الكويت. تم استثناء الكويت إذ قـُصِد أن تـُحجَز للبريطانيين.
التفاف أمريكا حول الاتفاقية بالخليج
ثبت أن اتفاقية الخط الأحمر هي ترتيب صعب، إذ لم تستطع منع الشركات غير العضوة من السعي للحصول على امتيازات في المنطقة التي تغطيها TPC (التي تغير اسمها إلى شركة نفط العراق في 1929). وفي 1928، حصلت سوكال على امتياز للتنقيب عن النفط في البحرين، وفي 1933 تمكنوا من الحصول على امتياز آخر من الحكومة السعودية يشمل مقاطعة الأحساء. وفي 1936، اشترت شركة نفط تكساس (تكساكو) حصة 50% في “شركة ستاندرد أويل كاليفورنيا العربية” (فرع سوكال العامل في السعودية، التي تغير اسمها إلى أرامكو في 1944) للمزيد من تطوير امتيازات سوكال في المملكة العربية السعودية.
وفي 1946، دعت كلٌ من سوكال وتكساكو شركة ستاندر أويل في نيوجرزي وسوكوني للانضمام لهم كشركاء في أرامكو، إلا أن الشركتين الأخيرتين لم يتمكنا من تلبية الدعوة بسبب ارتباطهما باتفاقية الخط الأحمر إلا إذا دعوا باقي شركاء TPC للانضمام إلى أرامكو. وبالتالي، فقد انضمت كل من ستاندرد جرزي و سوكوني إلى الحكومة الأمريكية في الضغط على لاأعضاء الآخرين في IPC لفض اتفاقية الخط الأحمر. وبالرغم من احتجاج كل من الحكومة الفرنسية وگولبنكيان، فقد سحب كلاهما اعتراضه بحلول نوفمبر 1948، مقابل حصة أكبر في انتاج IPC، وأصبحت حدود الخط الأحمر تستثني السعودية واليمن والبحرين ومصر وإسرائيل، النصف الغربي من الأردن.
التقييم اللاحق للاتفاقية
وبعد أعوام، علـّق والتر تيگل من ستاندرد أويل اوف نيوجرزي أن الاتفاقية كانت “خطوة بالغة السوء”.
إلا أنه كان يمثل تحديداً لنفوذ لعمليات شركة نفط العراق خليفة شركة النفط التركية. الكاتب ستفن همسلي لونگريگ، الموظف السابق في شركة نفط العراق، لاحظ أن “اتفاقية الخط الأحمر، تم تقييمها مراراً كحالة مؤسفة من الكرتلة الظالمة أو كمثال مستنير على التعاون الدولي والتقاسم العادل، وسيطرت على الحقل لعشرين عاماً وحددت إلى حد كبير نمط وتيرة تطوير حقول النفط في منطقة كبيرة من الشرق الأوسط”.
بعيداً عن السعودية والبحرين حيث تسيطر أرامكو باپكو، احتكرت شركة نفط العراق في تلك الفترة استكشاف النفط داخل الخط الأحمر.
شركتا النفط الأمريكية ستاندرد أويل اوف نيوجرزي وسوكوني-ڤاكيوم كانتا شريكتين في شركة نفط العراق ولذا التزمت باتفاقية الخط الأحمر. عندما عرض عليهما شراكة مع أرامكو لتطوير موارد النفط في السعودية، رفض شركائهما في شركة نفط العراق خروجهم من الاتفاقية. بعد ادعاء الأمريكان أن الحرب العالمية الثانية أنهت اتفاقية الخط الأحمر، أعقبتها الاجراءات القانونية المطولة مع گولبنكيان.
وفي النهاية تم تسوية القضية في المحكمة وسُمح للشركاء الأمريكان بالانضمام لأرامكو.
أصبحت اتفاقية الخط الأحمر وثيقة تراثية بعد ذلك التاريخ، حيث واصلت شركة نفط العراق العمل داخل مناطق الامتياز القائمة بموجب الاتفاقية لكن سُمح للشركات المساهمة بالسعي بشكل مستقل للحصول على مناطق امتياز نفطية جديدة في الشرق الأوسط.
ملاحظات حديثة
هل اتفاقية الخط الأحمر لتقاسم بترول الشرق الأوسط بين أمريكا وبريطانيا مازالت سارية؟
انظروا للجزء من الخط الأحمر بين مصر وقبرص، لذلك حتى اليوم (2023) بعد 95 سنة، الشركات المسيطرة على الغاز في مصر هي بريطانية (بريتش بتروليوم و بريتش جاس). وحين تدخل “إني” الإيطالية تكون بصحبة بي بي. والشركات المسيطرة في قبرص وإسرائيل هي نوبل إنرجي الأمريكية.