قصف بنيران مسكوت عنها
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
تكرر سقوط الصواريخ الاسرائيلية على مواقع متعددة ومتباعدة داخل الاراضي المصرية. فقد تعرض معبر رفح أولاً لغارات جوية متعاقبة في يوم واحد. ثم تعرضت منطقة (طابا) مؤخراً لقصف جوي أو صاروخي، وهي تبعد عن غزة حوالي 227 كيلومترا نحو الجنوب. وطالت الغارات الجوية الموثقة منطقة (نويبع) السياحية الواقعة في جنوب سيناء بقصف من نوع أخر على الرغم من انها تبعد عن غزة بنحو 282 كيلومتراً. ولكي تتضح الصورة أكثر لابد من التذكير بالقذيفة التي سددتها دبابة اسرائيلية ضد برج مصري للمراقبة قرب رفح. .
لاحظ معي ان الجهة التي تقف وراء هذا القصف وهذه الغارات هي طائرات ووحدات حربية تابعة لجيش الاحتلال، أما الجانب المتضرر من جراء القصف فهو الشعب المصري. اما التبريرات والتفسيرات والتعليلات فلا حدود لها. تارة تأتيك بصيغة: (قصف غير مقصود). وتارة بذريعة: (انحراف الصاروخ عن مساره بسبب عطل فني مرتبط). وأحياناً بعبارة: (إصابة غير مقصودة أو بنيران صديقة). ومنهم من يقول لك ان الصواريخ أنطلقت من مصدر مجهول. وان الحادث قيد التحقيق. وفي الغالب يتعمد الناطق باسم الحكومة المصرية اختصار كلامه ببضعة كلمات مقتضبة. من مثل: (نحتفظ بحق الرد وكل الخيارات متاحة). كل الخيارات بضمنها الكوسة والباذنجان. أو (اننا لم ولن نسمح بالتطاول على سيادتنا) وما إلى ذلك من العنتريات الفارغة، من دون ان نسمع تحليلاً منطقياً واحداً عن الأسباب والمسببات، والدوافع الحقيقية وراء استهداف تلك المواقع – ولماذا ؟. آخذين بعين الاعتبار ان القصف تسبب في إصابة ستة أشخاص (مصريين) في (طابا) وتدمير بنايات ومواقع سكنية. .
ثم جاء خطاب الرئيس السيسي ليزيد المشهد غموضاً وتعتيماً، حين قال: (ان مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد بالاسلوب والتوقيت المناسب للقصاص من هؤلاء القتلة والمجرمين المتجردين من أبسط القيم الإنسانية، وقد دعوت مجلس الدفاع الوطني للانعقاد فوراً وبشكل دائم لمتابعة تطورات الموقف والتباحث حول القرارات والإجراءات المقرر اتخاذها). .
وهنا لابد لك من مراجعة الخطاب لترى بنفسك ان السيسي لم يضع النقاط على الحروف، ولم يشر إلى اسم أو اسماء القتلة والمجرمين الذين ورد ذكرهم في خطابه. واكتفى بالإشارة إليهم بكلمة (هؤلاء). من دون ان يبين لنا ما المقصود بكلمة (هؤلاء) ؟. هل المقصود بهم قادة الجيش الارجنتيني أم كتائب الجيش المكسيكي ؟. أم مليشيات الجنجويد ؟. لأنه من غير المعقول ان يتعمد رئيس دولة كبيرة وعظيمة مخاطبة المعتدين بأسماء الاشارة المبنية على الغموض ؟. .
والله لو كان الفاعل حماس لقالها بعظمة لسانه وبلا تردد. لكنه أختار التضليل والتمويه، والتعبير بهذه الطريقة حتى لا يتسبب بازعاج الولايات الارهابية المتحدة. .