بين أنفاق غزة ودهاليز كوتشي
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لا توجد خرائط معلنة حتى الآن عن أنفاق غزة. ولا يمكن التكهن بطولها، واعماقها السحيقة، وطوابقها المتعددة، وردهاتها الواسعة، ودروبها المتشعبة، واساليب التحرك بداخلها، وتفرعاتها التي قد تمتد لمسافات لا تخطر على البال ولا يستوعبها خيال. .
فهي انفاق عابرة للحدود، عصية على الجنود، لا تتاثر بتفجيرات القنابل الارتجاجية ولا تتصدع بالضربات الصاروخية. . ولكي نتوخى الدقة في تقديم صورة تخيلية عنها، لابد من التذكير بالدور الخطير الذي لعبته أنفاق كوتشي في فيتنام إبان الحرب الأمريكية. .
تقع مدينة الأنفاق الفيتنامية على بعد 60 كيلومترا من مدينة (هو شي منه)، وهي في حقيقتها عبارة عن مدينة متكاملة غائرة في جوف الارض، تحتوي على متاهات وتجاويف موزعة على طبقات وتجمعات شديدة التعقيد. حفرها الفيتناميون بأدواتهم البدائية. وهي ليست ملاجئ أو ملاذات مصممة للسكن وحسب، وإنما باستطاعتها إيواء واخفاء جيوش باسلحتها ومعداتها وتجهيزاتها الساندة. وكانت منطلقا للغارات والهجمات ونصب الكمائن. .
أطلقوا عليها اسم (الأرض الفولاذية)، واللافت للنظر انها كانت متغلغلة تحت المعسكرات الامريكية، وكان الفيتناميون يرون ويسمعون كل شيء من حولهم، ويراقبون تحركات الجيش الامريكي، ويرصدون تحركات الجنود وسكناتهم. .
أحياناً يصممون بعض ممراتها على شكل منخفضات قوسية تشبه الحرف ( U ) بغية احتواء المياه عند الحاجة، وتلافي التسمم بالابخرة السامة. .
وصار باستطاعة الزائر القيام بجولة سياحية الآن لمشاهدة معالم هذه المدينة القابعة في جوف الارض، ومشاهدة المطابخ وغرف الطعام ومخازن الذخيرة و الأسلحة، و المستشفيات الميدانية. و قاعات الاجتماعات. ومسارح الترفيه. .
وعندما نأخذ بعين الاعتبار العوامل الزمنية والمكانية وما صاحبها من تقدم في تقنيات الحفر ومعداتها نشعر بالفوارق الكبيرة بين الأنفاق التي حفرها الفيتناميون قبل نصف قرن في أرض رطبة رخوة، وبين الانفاق التي حفرها الفلسطينيون في أرض صخرية صلبة متماسكة. .
يقال ان لها منافذ مرتبطة داخل البحر الابيض المتوسط، وممرات تمتد بالطول والعرض، وبات من غير المستبعد ان الأنفاق تتوغل بعيداً خارج الرقعة الجغرافية لقطاع غزة. وسيأتي اليوم الذي تتحول فيه أنفاق غزة إلى قبلة للباحثين عن أسرار باطن الارض. .