صفقوا لميسي ( ثماني ) مرات …
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
أمس الأول ، فاز ليو ميسي بالكرة الذهبية الثامنة، وهو فوز يقع خارج حدود المنطق والتاريخ، ليس لأن ميسي فاز بهذه الكرة ثماني مرات، وهو رقم لم يصل ولن يصل اليه لاعب كرة قدم بعد الف عام.. وليس لأن ميسي قد فاز بكأس العالم، وبالكرة الذهبية، وهو في سن السادسة والثلاثين.. ولا لأنه تقدم على لاعبين، هم اليوم في ذروة نجوميتهم وقوتهم وشبابهم، ولديهم سجل جيد في الموسم الكروي ٢٠٢٢ – ٢٢٠٣، مثل هالاند ومبابي وغيرهما.. في الوقت الذي تعرض فيه ميسي لإشكالات، ومؤامرات، و(خيانات) مؤلمة، من قبل إدارة نادي برشلونة، ومن (الليغا) الاسبانية أيضاً.. مما جعل الكثير من المتابعين والمعلقين الرياضيين يعتقدون أن ميسي انتهى، وانتهت رحلته الكروية، ولن يرى الكرة الذهبية مستقبلاً، ولا حتى الكرة (الفافونية)!
وإذا بميسي يفاجئهم في مونديال الدوحة، ويحقق ما لم يحققه من قبل ..
وحين اختار ميسي نادي باريس سان جيرمان الذي يرأسه (المتخلف) ناصر الخليفي، فإن اختياره -وهذا متفق عليه- لم يكن صحيحاً، ولكن يبدو أن الظروف القاهرة قد دفعته للتعاقد مع هذا النادي دفعاً.. ولكن أيضاً، مهما كانت المبررات والظروف، فإن (أبا تياغو) قد ذهب الى (المكان) الخطأ دون شك..
وصدقاً، فإني لم أجد حتى هذه اللحظة من يقنعني، بمسوغات ومبررات الموقف العدائي الذي وقفته إدارة نادي سان جيرمان من ميسي، وكذلك جمهور النادي، وبعض اللاعبين (اللوگية)، أمثال (حكيمي)، ولا أعرف لماذا كانوا يعاملونه بطريقة واسلوب لا يليقان بكرامة وقدر أفضل لاعب كرة في التاريخ، حتى وصل الحال بالجمهور الفرنسي الى أن يقوم وبكل وقاحة بشتمه، على المدرجات، وعند بوابات الملعب الفرنسي .. ويرفعون اللافتات والصور المسيئة له، بدلاً من أن يفخروا ويتباهوا طول حياتهم بوجود لاعب (عظيم) مثل ميسي في صفوف ناديهم (الخردة) .
لقد كانوا يشتمونه – قبل وبعد كأس العالم- في الوقت الذي كان ميسي يسجل الأهداف ويصنع الفرص الذهبية، ويقدم الكرات لزملائه على أطباق من ذهب، وكانت النتيجة حصولهم على بطولة الدوري الفرنسي ..!
لذا كان من الطبيعي أن يغادر ميسي هذا النادي، ويتعاقد مع نادي أنتر ميامي الامريكي..
ولكن، رغم كل الظروف النفسية القاهرة التي مر بها (ليو)، والمشكلات التي تعرض لها، فأنه تمكن من قيادة منتخب الارجنتين ليفوز بكأس العالم، على الرغم من ان تشكيلة المنتخب الارجنتيني لا ترقى فنياً الى المستوى المتوسط في الترتيب الفني الكروي، ولولا وجود ميسي، لما فازت الارجنتين قطعاً بكأس العالم، ولا أصبحت بالمركز الاول في الجدول والترتيب الكروي العالمي. لذلك فإن ميسي بهذا الاعجاز، أصبح واحداً من الأعاجيب التي لن تتكرر، وحتماً سيذكر التاريخ بعد مئة جيل، أن فتى أرجنتيناً، نجح في اختراق قوانين الطبيعة والمنطق والمعقول، حين استطاع هذا الفتى المصاب بـ (نقص هرمون النمو)، من أن يصبح بطلاً للعالم، بل وأن يتحول بإصراره وقدراته الى بطل قومي لدى الشعب الأرجنتيني..
ولعل الشيء الذي أعجبني في ميسي أمس الاول، ليس فوزه بثماني كرات ذهبية، وهذا استحقاقه الطبيعي- فهو بطل العالم، والكرة الذهبية عادة تمنح لبطل العالم- لكنّ الذي أعجبني حقاً، هو تواضعه وشجاعته ووفاؤه وصراحته، حين ظهر في المؤتمر الصحفي الذي أقيم له بعد فوزه بالكرة الذهبية، بشكل فاجأ به الجميع.. لقد رأينا ميسي أمس الاول مقتدراً، ومتمكناً بآرائه وطروحاته الناضجة، إذ أين ميسي اليوم من ذلك ( الولد) الخجول، المتلعثم، الذي كان يهرب من التحدث الى الاعلام بعد نهاية كل مباراة، وأين هو اليوم من ذلك الفتى المرتبك الذي لا يستطيع ترتيب كلمتين على بعضهما ؟!
وإذا بنا نراه في هذا المؤتمر وهو يجيب على كل الاسئلة باقتدار ..
ولعل أكثر ما أعجبني انه لم يجامل الفرنسيين ولا ناديهم سان جيرمان، حتى حين سأله أحدهم- وهو يحاول احراجه- قائلاً:
هل تهدي الكرة الذهبية الى نادي باريس جيرمان؟
فقال ميسي بشكل قاطع: لا ..!
وقال ذلك رغم أنه يعلم أن الجريدة التي منحته الكرة الذهبية هي جريدة فرنسية، وأن الاحتفال يقام في عاصمة فرنسا، لكنه تجاوز ذلك كله ولم يأبه ابداً.. واعجبني ميسي كذلك في وطنيته العالية، وحبه لبلاده، فقد رأيناه يؤكد ويكرر بفخر اسم الارجنتين ومنتخبها، وهو يعلم أن منتخب الارجنتين بدونه لايسوى عفطة عنز..
وما أعجبني ايضاً، وفاؤه وصدقه، وكلامه الجميل عن نادي برشلونة رغم أن إدارة هذا النادي لم تكن وفية معه قط، إلا أنه تغزل بناديه الأول وكأنه عاشق يتغزل بمعشوقه، وأجزم، أن ميسي -لو كان عربياً- لألقى على الحاضرين بيت الشعر الذي قاله أبو تمام:
(نَقِّلْ فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِن الهَوى .. ما الحُبُّ إلا للحَبيبِ الأوَّلِ
كَمْ مَنزِلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفَتى.. وحَنينُهُ أبداً لأوَّلِ مَنزِلِ)..!
لقد كان ميسي واضحاً، خصوصاً عندما تمنى أن يعود للبرشا مرة ثانية.. ولفرط حبه، فقد ذكر ليو اسم برشلونة ( 21 ) مرة، بينما لم يذكر باريس سان جيرمان، إلا مرة في جوابه عن سؤال صحفي .. كما لم يذكر ولا مرة واحدة اسم ناديه الحالي (انتر ميامي)، رغم أن مالك النادي ديفد بيكهام، كان حاضراً، بل هو الذي سلمه بنفسه الكرة الذهبية، لكن ميسي لم يجامله على حساب الحقيقة ..
ختاماً أقول: إن الجوائز العظيمة تعرف (أهلها )، ومستحقيها، لذلك هي تذهب اليهم بقدميها، وليسوا هم يسعون لها، ويقتلون أنفسهم من اجل نيلها، حتى لو داسوا بذلك على زملائهم ورفاقهم ..!