التباكي على 32 طفلاً فقط
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
أغرب ما نشرته صحيفة (THE SUN) البريطانية على صفحتها الاولى في عددها الصادر يوم 2 / 11 / 2023 مقالة بقلم (TOI STAFF) بعنوان: اعيدوهم إلى بيوتهم (Bring them home). وكانت مصحوبة بلوحة شغلت الصفحة الاولى، وتضمنت صوراً لنحو 32 طفلا، زعمت الصحيفة انهم مخطوفين أو محتجزين الآن داخل أنفاق غزة منذ اليوم السابع من الشهر الماضي. وهي هنا تتحدث عن الانفاق التي تقصفها اسرائيل كل يوم، وبلغ الوزن الكلي للقنابل 25 الف طن من المتفجرات حتى يوم أمس. أي ما يعادل قنبلتين نوويتين ألقيتا على بقعة صغيرة مكتظة بالناس. .
لم تطالب الصحيفة بدرء المخاطر الداهمة التي يتعرض لها أطفال غزة الذين يمثلون الجزء الأكبر من ضحايا الحرب الإسرائيلية الأخيرة، إذ بلغ عدد الشهداء منهم نحو 3500 طفلاً، بينهم 264 رضيعاً لم يتموا عامهم الأول. ووفقا للأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة في غزة، فإن الأطفال يشكلون 42% من حصيلة الشهداء خلال الأيام الـ 25 من عمر الحرب، فضلا عن ألف طفل لا يزالون تحت الأنقاض. .
تأتي نداءات الصحيفة البريطانية بتحرير الاطفال المزعومين بالتزامن مع دعوات النائبة الاسرائيلية الموتورة (تالي غوتليف) ومطالباتها باستخدام القنابل النووية التكتيكية لإزالة غزة من الوجود بمن فيها من أطفال نساء ورجال ومستشفيات ومنازل ومجمعات سكنية. وتأتي مناشدات الصحيفة البريطانية بالتزامن مع مطالبات جنرالات اسرائيل باستخدام قنابل يوم القيامة لإسكات غزة ودفنها، وبالتزامن مع خطة الاتحاد الاوروبي بتجريف قشرتها الارضية بعمق عشرة أمتار وإزاحتها باتجاه البحر وذلك بزلزال مفتعل بسلاح HAARP. .
أكبر فضيحة سمعتها منذ قليل جاءت على لسان وزير خارجية اسرائيل السابق. قال في كلمته: ان المصداقية في تغطية الأخبار سوف تتسبب بإيذاء إسرائيل). وقال أيضاً: (اذا كانت وسائل الاعلام العالمية موضوعية وايجابية في تناولها الأخبار فانها ستخدم حماس، وإذا نقلت الرأي والرأي الآخر فانها تخدم حماس). .
وأخيراً وليس آخراً. لو كانت رواية الصحيفة البريطانية صحيحة. فكم من أطفال غزة ينبغي ان يموتوا ويدفنوا تحت الانقاض من أجل إعادة 32 طفلا إلى منازلهم ؟. وكم من أطفال غزة ينبغي ان يجوعوا و يتيتموا و يتشردوا حتى يعود 32 طفلاً إلى ذويهم. .
شيء آخر: عار على الصحافة البريطانية والأوربية السماح بنشر هذا التمادي في ممارسة الكذب والتلفيق والافتراء من أجل مناصرة طرف على الطرف الآخر. فالتحضر والمدنية والنضج والمصداقية والإنسانية تقتضي الوقوف على الحياد في قول كلمة الحق ودحر الباطل. . .
منذ زمن بعيد والصحافة الأوروبية تتعمد الإساءة للعرب والمسلمين على وجه العموم. . حول هذا الموضوع أذكر لكم هذا الموقف المؤلم: يحكى ان رجلاً شجاعاً رأى فتاة في أمريكا يهاجمها نمر، فاندفع لنجدتها وقتل النمر، فكتبت الصحف: مواطن أمريكي ينقذ فتاة من نمر متوحش. . فقال الرجل أنا عربي مسلم ولست أمريكياً. فكتبت الصحف: (إرهابي يقتل نمرا بريئا كان يلعب مع فتاة). .