الإنسانية ليست بخير
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
عندما تحتاج إلى خروج آلاف المظاهرات في كل القارات من أجل أن تبلغ هيئة الأمم أن قصف الأطفال بالقنابل عمل جبان وغير مقبول اخلاقياً، فأعلم حينئذ ان الإنسانية ليست بخير، وان البشرية تمر بأسوأ أيامها. وان الطغاة عاثوا في الأرض فساداً. واعلم أيضا ان الحرب على غزة لن تنتهي بالصورة التي يتوقعها المحللون، ولا التي يتوقعها المتنبئون، لأنها وبكل بساطة خرجت عن كل المألوف وعن التوقعات، وخرجت عن السياقات، وخرجت عن قواعد الاشتباك، وخرجت عن المعايير الأخلاقية والتحالفات السياسية. فقد حصلت إسرائيل على التخويل العدواني المطلق بإستخدام قوتها المفرطة لقتل ما تشاء من سكان غزة بذريعة الدفاع عن نفسها، وبذريعة القضاء على حماس. فارتكبت سلسلة لا حصر لها من المجازر والانتهاكات الإنسانية دونما رادع. وكانت في مجملها ردود أفعال انتقامية متهورة. ثم جاءها المدد اللوجستي المجاني من كل المناصرين لها في أوروبا وأمريكا. وتطوعت الشبكات الإعلامية الكبرى للقيام بمهام التضليل والتعتيم وطمس الحقائق ومن دون الالتزام بقواعد السلطة الرابعة. .
وفي المقابل ظلت غزة تذود وحدها بلا سند وبلا مدد. وقد تحوّل سكانها منذ السابع من الشهر الماضي إلى أهداف مفتوح لكل الغارات اليومية المتوحشة وبكل الاسلحة المحرمة دولياً. .
العنوان هو القضاء على حماس لكن واقع الحال يشير إلى تنفيذ عمليات القصف العشوائي ضد الوحدات السكنية المأهولة بالناس. والتي كانت كلها متزامنة مع الموقف الاميركي الرافض لوقف إطلاق النار. .
المشكلة ان البلدان الغربية كلها تنظر إلى اسرائيل الآن وكأنها تمثل مركز القيادة والسيطرة، بل انها تتلقى منها التوجيهات والتعليمات، في حين لم تجب قيادات النيتو ولا قيادات البنتاغون عن التساؤل البشري الذي نطق به سكان كوكب الأرض بكل اللغات واللهجات، وهو : (كم عدد الفلسطينيين الذين ينبغي إزهاق أرواحهم حتى تقتنعون بوقف إطلاق النار ؟). .
عشرة آلاف مدني قُتلوا حتى الآن. وبات من المؤكد ان تعدادهم سوف يتصاعد تحت وطأة الهجمات الوحشية المتهورة المتكررة. حتى المستشفيات وسيارات الاسعاف لم تسلم من بلدوزرات الموت والهلاك. .
عندما تتعرض مخيمات اللاجئين للقتل والتشريد، يصبح لزاما علينا ان نتكلم ونرفع اصواتنا، وعندما يجري التعامل مع القانون الدولي على هذا النحو الإجرامي يتعين علينا ان نصرخ ونحتج، ولابد ان نكسر صمتنا. كل واحد منا لديه ضمير ولديه مبادئ سامية. فالشعوب كلها تدين بأشياء كثيرة لبعضها البعض، فنحن كبشر ننتمي إلى بعضنا البعض، وبالتالي فان تحررنا وسلامتنا يعتمد على بعضنا البعض، فإذا لم نتظاهر ونحتج فسوف نكون ضحايا لعمليات حربية مدمرة بالسيناريو المعروض امامنا الآن في غزة.
ولات حين مندم. .