بقلم: جعفر العلوجي ..
لا يمكن لأية مؤسسة مهما كان لونها وحجمها أن تعمل بانسيابية ومرونة من دون امتلاكها لهوية صريحة ومنهاج عمل واضح يحدد أهدافها واستهدافاتها، ومنها المؤسسات الحكومية التي تفرض نفسها في بلدنا كسيدة للسلطة والمال معا طالما كان القطاع الخاص شبحا لا يقوى على الحركة او مجرد ايجاد فرصة للانطلاق والمنافسة .
وإحدى كبريات المؤسسات الحكومية التي عانت من فقدان الهوية الصريحة لها هي وزارة الشباب والرياضة التي جيرت بأولوياتها نحو القسم الأول من اسمها الصريح وصارت الرياضة ميدانها الأوحد في سوق العمل، مع أن جميع السادة الوزراء الذين تعاقبوا على استيزارها يلهجون بعبارات متشابهة ومستنسخة من قبيل (إن نسبة الشباب في العراق تتجاوز 60% من تعداد السكان) او (إن السيد الوزير لديه خطة محكمة لمحو الصورة النمطية بأن وزارته تعمل للرياضة فقط)، ومع ذلك ما أن يتم تسنمه المنصب حتى تراه لاهثا خلف الرياضة وكرة القدم تحديداً بجماهيرها التي يوليها اهتمامه الأكبر، ويا ليتها كانت اهتمامات متساوية بين الأندية والاتحادات بجميع الألعاب بلا استثناء لكانت رياضتنا بألف خير، بل إن كرة القدم شغلهم الشاغل ، الميزانيات الانفجارية لبطولات الكرة ، الإعمار للملاعب الكروية من دون غيرها ولم نشهد أن وزيراً منهم قد افتتح مسرحاً او قاعة للأنشطة العلمية، وشاهد قولنا القبة الفلكية التي خربتها المكائن وبقيت على حالها كما القاعات الرياضية التي تخص الألعاب الأخرى، ويقينا أن هذا الذي نتحدث عنه سيبقى هماً جاثماً على صدورنا طالما استسلمنا لفرضيات أن الرياضة ومؤسساتها يجب أن تكون حصة خالصة لأحد الأبطال الرياضيين وأن من يمسك زمام الأمور من غير الأسرة الرياضية ستتم مهاجمته وينعت بمختلف المسميات التي سرعان ما تؤرقه وتحثه على المضي قدما باتجاه الرياضة وكرة القدم وجماهيرها تحديداً وتهمش جميع المواهب في الفن والأدب والعلوم، وبذلك لن يكون حصادنا نافعاً لا مع الشخصية الرياضية ولا حتى من خارج الوسط الرياضي.
كبار السن من أمثالنا يتذكرون في حقب غابرة كيف كان مركز الشباب واحة خصبة للشباب بجميع توجهاتهم وما الذي فعلته هذه المراكز في تعزيز دور الشباب الرياضي والثقافي والفني والعلمي، وظلت مستمرة تقاوم التيارات المضادة حتى أزفت ساعة رحيلها بداعي الاستثمار وتم تحويلها الى مولات تجارية ومدن ألعاب للأطفال او مستشفيات وغيرها بعقود استثمارية موثقة أنهت تواجدها ودورها تماماً وقلمت أوراق وزارة الشباب المنتجة الى الدرك الأسفل وصارت اسماً ليس على مسمى، لتأتي بعدها ثورة اللا مركزية وتطيح بمديريات الشباب الى إدارات المحافظات وكأنها عملية تخريب مدروسة بعناية فائقة كي لا يبقى ذكر إطلاقاً لدور الوزارة وخططها وإن كان قانون إقرارها مفعماً بالعبارات الرنانة التي تصور شبابنا بأنهم حجر الزاوية لعراق المستقبل .
إن ما تحدثنا به حقيقة مرة يدركها جميع من يتعامل مع وزارة الشباب والرياضة التي أضحت اليوم مؤسسة أشبه ما يكون دورها بمصرف حكومي يصدر صكوك القبض للمنح باتجاه الأندية والاتحادات والايفادات والرواد والأبطال فيما تواصل موجوداتها المهمة رحلة الاختفاء اليوم والظهور على خجل في الغد .
همسة …
السيد رئيس مجلس الوزراء المحترم نطالبك بكل ما عرف عنك من موضوعية وشجاعة في التعاطي مع الأزمات أن تكون عند مستوى الحدث في هذا الملف وأن يوضع العلاج الشافي لعمل المديريات ومنتديات الشباب لأن دورها كبير جدا في توجيه شبابنا ورعايتهم كما نتمنى من السادة المستشارين الاقتراب من هذه الظاهرة وعلاجها .