بلاويكم نيوز

أم أيمن) نخلة عراقية .. جذرها في ( الحويجة) ورأسها مرفوع في الدوحة

0

بقلم: فالح حسون الدراجي ..

أكن أفكر بكتابة أغنية لبطولة كأس آسيا المقامة في الدوحة حالياً، لأسباب عديدة، منها، كثرة الأغنيات الرياضية التي سجلت وقدمت، وكلها أغنيات حلوة، وحماسية وكافية جداً، إضافة إلى أن المستوى الفني لمنتخبنا قبل بدء البطولة لم يكن مشجعاً لكتابة نص غنائي داعم، فضلاً عن انشغالي شخصياً في أمور وقضايا عديدة، كنت أرى أنها أهم من (الطوبة)، لكن فوزنا الباهر على منتخب اليابان، أثار مشاعري، وألهب حماستي التي كانت بحاجة إلى (جدحة) بسيطة لتشتعل، فكانت دموع (أيمن حسين) بعد نهاية المباراة، هي الجدحة التي أججت نار التفاعل في صدري، وأسقطت الموانع التي كانت تقف بيني وبين كتابة نص غنائي لهذه البطولة المثيرة .. وقبل أن أحدد الموضوع الذي ساكتب فيه أغنيتي، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بعد المباراة، بمكالمة هاتفية جمعت اللاعب أيمن حسين بوالدته، وهي تقول له : “إن شاء الله دائما تفوزون، دَعَوت لكم يوم الخميس قبل الفطور، وبقيت أدعي واقول يا رب ايمن وربعه يفوزون، وسأظل يا ابني دائما أدعي لك وللمنتخب العراقي ..!

وعلى إثر هذه الكلمات العطرة، لم يتمالك أيمن حسين نفسه، فانهمرت دموعه تأثراً، وفي المقابل، انخرطت أنا كذلك في بكاء حار، اجتمعت على تفجيره في مقلتَيّ جميع الأسباب الموجبة، كالحزن والألم والشوق والغربة، كما ساهم الفرح المنبثق بهذا الفوز، أيضاً في تفجيره ..

لقد تذكرت أمي، التي رحلت عني (بلايه وداع) وأنا أستمع لمكالمة أم أيمن ودعائها.. وتذكرت أجواء مدينة الثورة الآن، ومشاعر الناس الطيبين في كل مدن العراق، وهم في نشوة هذا الفوز الكبير، وأي فوز هذا، حين يكون على منتخب الساموراي، الذي تتهرب من ملاقاته اليوم أكبر الفرق الآسيوية.

ولأن الشاعر يهتم ببعض التفاصيل الصغيرة التي لا يهتم بها غير الشعراء، كدموع أيمن، ومكالمة أمه، وبكاء العراقيات في مدرجات ملعب الريان فرحاً بالفوز وغير ذلك من الأشياء التي قد يعتبرها البعض (عادية) لاتستحق الاهتمام، لكني التقطتها بحكم طبيعتي، وقررت في الحال أن اكتب نصاً غنائياً لمنتخب أسود الرافدين، يكون أيمن وأمه (ثيمة) هذا النص، ثم أبني عليها ما يمكن أن أحصل عليه من إضافات جديدة.. وكم دهشت، وفرحت، حين بحثت عن الفتى أيمن،

وأمه الصابرة الكريمة، ووجدت لهما قصة تدعو للفخر حقاً، خصوصاً أم أيمن .. فهذه القصة وإن كانت مؤلمة تكسر القلب، لكنها في الوقت ذاته ترفع رأس العراقي الغيور، قصة امرأة عفيفة حرة، طاهرة، تستحق أن تكون أنموذجاً مميزاً للعراقية، ورمزاً لكل العراقيات النجيبات، بل وللشعب العراقي برمته.. فهذه المرأة (الحويجية) تعرضت منذ شبابها إلى امتحان أخلاقي وإنساني صعب جداً، ورغم (عدم التكافؤ) بينها وبين الأقدار، لكنها تمكنت من الفوز عليها فوزاً عظيماً ..

وهنا أود أن أنقل لكم جوابي على سؤال صديقي الفنان الخلوق، والملحن الموهوب علي بدر ، حين سألني قبل أن يبدأ بتلحين النص الذي كتبته له عن أم أيمن قائلاً ببراءة : -لماذا أم أيمن دون غيرها من بين أمهات لاعبي منتخبنا الموجود في الدوحة، أليس أمهات كل اللاعبين العراقيين، يرفعن أياديهنّ إلى السماء صباحاً ومساءً، ويطلبن من الله أن ينصر اولادهن، فما الفرق بينهن وبين أم أيمن ؟!
قلت لصديقي علي: – نعم كلامك صحيح، فكل امهات لاعبينا كريمات، يستحققن كل الاحترام والتقدير، فهن عراقيات أصيلات أولاً، وثانياً أنهن أنجبن لنا هؤلاء الأسود الميامين، ولكن لأم أيمن حكاية خاصة، مختلفة ..

لكنّ علي قاطعني بقوله: – هل تعرف أم أيمن، أو هل هي قريبة لكم مثلاً ؟!

قلت له: ( لا والله يا أخي)⁠، هي ليست قريبة لنا، فأنا (شروگي)،ولدت في ناحية كميت التابعة لمحافظة ميسان، في أقصى أقاصي الجنوب، وعشت في مدينة الثورة، بينما أم أيمن امرأة من بيئة اخرى، فهي أصلاً وفصلاً من قضاء الحويجة التابع لمحافظة كركوك في شمالي العراق، لكن هناك رابطاً مقدساً يربطني بهذه السيدة، وأقصد به رابط المواطنة العراقية المشرفة، رابط الوطن، والتراب، والمصير المشترك، والانتماء العزيز، والهوية العراقية الحبيبة.. ومعرفتي بهذه السيدة الجليلة لا تختلف قطعاً عن معرفة أي عراقي آخر، شاهدها عبر مواقع التواصل بعد فوز العراق على اليابان، وهي تحكي وتبكي فرحاً بالفوز، فعرفها وتعاطف معها .. لذلك رحت أبحث عن أيمن وأمه في المواقع والجرائد، ومن الأصدقاء الذين لهم معرفة بهذه العائلة الكريمة، من أجل معرفة المزيد .. وكما توقعت، فقد ظهر لي أن خلف هذا الدمع الذي ينهمر من عين أيمن وامه، وجعاً وحزنا دفيناً، وثمة قصة دامية تبدأ من فقد المرحوم (أبو أيمن) الذي كان يعمل عسكرياً في الجيش العراقي، إذ وفي يوم ما من عام 2008 تلقى أبو أيمن تهديداً من تنظيم القاعدة يطلب منه ترك الجيش (الصفوي) فوراً، وإلا سيقتل دون رحمة، لكن أبا أيمن رفض ذلك، قائلاً: هذا جيشنا، جيش العراق والعراقيين، ولن أغادره إلا إلى القبر !!

وفي اليوم الثاني نفذ مجرمو القاعدة تهديدهم واغتالوا البطل أبا أيمن ..! لكن أم أيمن لم تستسلم، ولم تخف، أو تضعف قط، فصمدت وتماسكت، وحافظت على عائلتها، رغم فقد المعيل والمعين، محتضنةً أبناءها، رافضةً الاقتران برجل آخر على الرغم من صغر سنها آنذاك.. لكنها تلقت ضربة قاسية أخرى بعد خمس سنوات، حين خطف تنظيم داعش، ولدها (العسكري) أيضاً، ولم تعثر عليه حتى هذه اللحظة رغم مرور أكثر من 11 سنة على اختطافه.. ولم تستسلم المؤمنة أم أيمن كذلك.. فوضعت ولدها أيمن وشقيقته بين عينيها، وهي تقاتل بكل ما تملك من اجل ان يكملا رسالة أبيهما الوطنية .. فكانت تقتطع اللقمة من بلعومها، ليتغذى بها ولدها اللاعب الموهوب، ومنعت عن نفسها ما لذ وطاب من أجل أن توفر له مستلزمات اللعبة، من احتياجات رياضية، دون أن تنسى إرضاعه حب وطنه العراق، رغم جراحها الدامية، وسوء صحتها، وظروف النزوح والتهجير، والمصائب التي مرت عليها، إلا أنها كانت تقول دائماً لولدها أيمن: – لقد بذل أبوك وأخوك دماءهما من اجل العراق، فلا تبخل بشيء على بلدك ياولدي..! نعم هكذا كانت أم أيمن، وهكذا هو ولدها أيمن.. لذا لم يكن غريباً على هذه العراقية النجيبة أن تذرف الدمع فرحاً، وأن تدعو لمنتخب العراق، فمن تقدم (شهيدَين) لعيون الوطن، لايصعب عليها أن تقدم لاعباً باسلاً، يحمل العراق في قلبه، ويمضي بمنتخبه لأعلى المعالي !

وأكملت حديثي لعلي بدر قائلاً: بربك، ألا تستحق هذه السيدة المجاهدة أن نغني لها أغنية الشكر؟ أجابني قائلاً: بلى والله، إنها تستحق أكثر من أغنية، لكنّ المشكلة ان الكثير من المطربين العراقيين لا يرغبون في وجود اسم شخص في الاغنية مهما كان هذا الشخص، فهم طبعاً يحسبون حسابات فنية تسويقية بحتة.. المهم عندي الآن أن أوفق في تلحينها وبعد ذلك نفكر معاً في المطرب.. وبالفعل فقد اتصل بي علي بدر بعد ساعتين، ليسمعني لحن أغنية أم أيمن.. وأي لحن رائع كان!

انتظرنا طويلاً، وحاولنا كثيراً، لكننا لم ننجح في إقناع أي من مطربي الصف الاول بأداء هذه الأغنية، كما لم تنجح محاولات بعض المطربين بتغيير فكرتنا، واقناعنا بحذف اسم أم أيمن من النص، فقد بقيت مصراً على قناعتي بما فعلت.. واليوم وبعد مضي سبعة أيام على تلحين هذه الأغنية، عرضت على ملحن الأغنية علي بدر تسجيلها وتقديمها بصوته، فهو يملك صوتاً جميلاً، وله تسجيلات غنائية ناجحة عديدة، فضلاً عن كونه ملحن الأغنية، وأهل مكة أدرى بشعابها.. وهكذا كان.. والآن وفي هذه اللحظة التي أكتب بها هذا المقال، دخل المبدع الشجاع علي بدر الاستوديو لتسجيل الأغنية، وها أنا أسمعه عبر الواتساب، وهو يغني المقطع الأول منها بقوله :

” يعراق يارفعة راس ..

يابو جبين الينباس

قررنا ما نوگف بعد

ولام أيمن انطينه وعد

مانرجع إلا بالكاس ” ..!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط