ما شاء الله: روابط أقوى من الفولاذ
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
من اغرب ما شاهدته قبل يومين اللقاء المتلفز الذي أجراه الإعلامي العراقي الجريء (حيدر الحمداني) مع المغترب (صبري). .
فما ان قرر (صبري) العودة إلى مدينته (بغداد) عن طريق مطار دمشق بعد 19 عاماً من الاغتراب والعذاب. حتى وجد نفسه مطلوبا للعدالة بتهمة غامضة. فأمضى في السجون السورية مدة طويلة، ثم قرروا ترحيله على متن طائرة متوجهة إلى مطار بغداد، فوجد الشرطة ينتظرونه في صالة الوصول. ثم اقتادوه مكبلاً إلى سجن المطار بانتظار عرضه على القضاء، وهو لا يعلم شيئاً حتى الآن عن أسباب اعتقاله في سوريا والعراق. .
عرضوه بعد مدة على القضاء فوجد نفسه متهما بالتطاول على جلالة ملك الأردن بكتابات منسوبة اليه. وأنه محكوم عليه بالسجن الانفرادي لثلاثة أعوام ينبغي ان يقضيها في المعتقلات الأردنية. .
ثم قامت الخارجية العراقية ووزارة العدل بإبلاغ الجهات الأردنية لترتيب إجراءات تسويقه وترحيله ليقضي مدة السجن هناك نزولا عند رغبات المملكة. .
كانت هذه صورة حقيقية لمستويات التنسيق الأمني بين الحكومات العربية. التي استنفرت قواتها البوليسية والمخابراتية في مطاردة هذا الإنسان، وإلقاء القبض عليه، وترحيله خارج وطنه ليمضي مدة السجن المقررة بتهمة لا يعلم عنها شيئا. .
في العراق يحق لك ان توجه النقد اللاذع لرئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان، والوزراء والمحافظين كلهم وبلا استثناء، ويحق لك التظاهر ضدهم بكل اللهجات الدارجة. ولكن لا يحق لك التحرش بمقامات الملوك والرؤساء العرب، فلربما يكون مصيرك مثل مصير الشاب (صبري) الذي فقد حصانته كمواطن، وفقد حصانته كإنسان. ولم يجد من يذود عنه، ويدفع عنه الاتهامات الموجهة اليه. .
لم تلتفت المؤسسات العراقية إلى المعاملة السيئة التي يواجهها المسافر العراقي في مطار الملكة عالية. فقد دأبت مكاتب الجوازات هناك على توجيه السؤال نفسه لكل عراقي تطأ قدماه أرض الأردن المقدسة: (هل أنت شيعي أم سني ؟)، وربما يقرر ضابط الجوازات إعادتك إلى العراق حسب ما يمليه عليه مزاجه ونرجسيته. .
عشرات الآلاف استشهدوا الآن في غزة، ومئات الآلاف يعانون من الجوع والحرمان والحزن والمرض، لا احد يهتم بمصيرهم، بينما تواصل القوافل الأردنية تحركاتها اليومية المكوكية لنقل المؤن إلى أسواق تل ابيب. ولا يحق لأي عربي الاعتراض على سلوك حكومة جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه. .
عشرات الغارات تنفذها المقاتلات الأردنية ضد أهداف عراقية وسورية من دون ان يحق لك الاعتراض عليها حتى لا تتسبب بإزعاج حكومة جلالة الملك المعظم اطال الله في عمره وحفظه ذخرا للعرب. .
لقد تضافرت الجهود العربية (الأردنية والسورية والعراقية) في انتاج وإخراج مسرحية: (ليلة القبض على صبري). بعدما اكتشفت تلك الحكومات ان (صبري) هذا هو المجرم العتيد الذي تسبب بتعكير صفو الأجواء العربية التي لا تشوبها شائبة. اما الحديث عن غزة، وعن الذين اغتالوها وتآمروا عليها وشاركوا في تضييق الخناق عليها، فهو حديث محذوف من مشاهد تلك المسرحية البائسة. .
اللهم احفظ (صبري) وأبعد عنه الهم والغم، وارفع عنه الحيف والضيم. اللهم أنت المفرج عن كل مسجون. وأنت المنفس عن كل محزون، وأنت المجري المياه في البحار والعيون، اللهم بمنك وفضلك وجودك ورحمتك أغثنا يا مغيث. يا الله. يا الله. يا رب. .