بلاويكم نيوز

رسالة إلى عبدالله الرضيع

0

بقلم : وجيه عباس ..

خرج عبدالله من مكة رضيعاً، ونام في قبر أبيه رضيعاً، الرضيع الملفوف بالقماط يفتح قماطه ليلاً بعد أن ينام الشهداء ويخرج بينهم يبحث عن ثدي أمه ليرضعه، يمر على أخيه وأبناء عمومته وأصحاب أبيه الذين يعرفهم واحداً ….واحداً، يسلّم عليهم ويقول لهم: أنا عبدالله الرضيع، أنا صاحب القماط، وهاتان الكفان شهدتا للحسين على بيعتي له، لم أمسك بكفيه، لكني حين قبضت على نحره سال دمي على كفيه فأتمَّ البيعة لي، أنا آخر محصول من جسد الشهداء اليوم، تركت أبي حزيناً من غصته برؤية نحري، ياغافين بظل الخيم الثكلى، سأوقظ أمي حتى لايوجعها اللبن الماطر من ثدي أيبسه العطش، سأرمي جسدي فوق ظل أبي حتى لايجفل من مرآى رضيع مقطوع الراس يسعى بين يديه، سأقول له: إني سألعب بين الشهداء، المساحة المخصصة للاطفال احتلتها الأجساد الغافية في مدن السيف الأموي، أعلم أن عمر بن سعد لن يسمح لرضيع مثلي أن يصفّي وحشية معسكره…
ياعبد الله، أين تذهب بهذا الليل الموحش؟ أخشى أنك سوف تضيع بهذي الجثث الملقاة على الرمل، أَطِلْ حبلَ قماطك واتخذه جملا لتعود فلا يأكلك الذئب هناك، ياصاحب هذا اللحم الغض:كان يكفيك سهمٌ من ريشٍ ليقطع هذا الريش الذي يلصق نحرك برأسك النبوي، فكيف أمكن لحاملي هذه الشوارب الطويلة أن ينازلوا قمراً من حليب فيسكبوا دمه في إناء أبيه؟ ولكربلاء دمُ الرضيع، ولنا أن نسأل الأرض:كيف شربت السماءُ دمَه؟ القماط الذي أصبح بوسع الجرح سمح لليدين أن يخرجا هذا النداء من الأكف الصغيرة لتسمعها عينا أبيه.
من جناحين لعبد الله الرضيع، أمدّ عيوني إلى نحرك الذي سيرضع السيوف، ومن كفيك اللتين قبضتا على رقبة أبيك وهما يودّعان وجهه الحزين، أرى فجيعتك الكبيرة ياحسين، هل شدهك الحزن أبا عبد الله وأنت تنظر إلى رضيعك ووريده ينضح بالدم على أصابعك؟ أدفع عمري لأعرف كيف احتفظت برباطة جأشك لحظتها أيها الجبل…ياحسين؟
لعبد الله تبكي القبّرات، وتأتى الحجل الثكلى لتزور قبر أبيه، لك أيتها الحمامة طوق الرقاب وهو يتهدل بين كف أبيك،لعبد الله هذي الكربلاءات، كلما ايقظ القبّرات منتصف الليل لتأتي قبرك الملتف حول ضلوع أبيك وهو يحضنك كما يحضن ليلة موحشة، أيهذا الأمير الحالم بحجلة طفل أو ليلة دافئة في حضن أمك الرباب، لعبد الله هذا الرضيع تمد العيون أهدابها ليسير عليها زاحفاً، هل قلت زحفاً؟!، فلم يذبحوا رضيعاً لم يبلغ المشي على رجليه ويقطعوا رقبته الرقيقة مثل قلب الحسين ويعلقوا رأسه فوق رمح يزدحم بالرؤوس؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط