مفردة منسية مرتبطة بتاريخنا المأساوي
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
اكتشفت عن طريق الصدفة ان مفردة (ودّريت) التي تكاد تختفي من لهجتنا الخليجية الدارجة، لها انعكاسات مأساوية لتاريخنا المرتبط بالإمبراطورية العثمانية. وهي بطبيعة الحال من المفردات العراقية الجنوبية ذات الاستعمالات المحدودة. .
يقولون: ودّر الشيء: أي أضاعه بسبب الإهمال. ويقولون: ودّره: أي فقده إلى الأبد ولا أمل بعودته او العثور عليه. .
وهناك بعض الأمثال الشائعة في الخليج من مثل: (ان شاء الله قلعة وادرين توّدره)، أو: (روحة بلا رجعة إلى قلعة وادرين). واليكم حكاية هذه القلعة التي كانت وراء هذه المفردة الدخيلة على لهجتنا الدارجة. .
كانت الدولة العثمانية تحث ولاتها في الشام وفي الجزيرة والعراق على حشد الشباب الذين تزيد أعمارهم على 18 سنة، وتسويقهم عنوة إلى قلعة وادرين التي تقع في بلغاريا، في رحلة أبدية بلا عودة، وذلك لأداء الخدمة العسكرية في صفوف الجيش الانكشاري، وهي خدمة غير محددة بالسنوات، وما ان يدخلوا بوابة القلعة حتى يصبحوا في حكم المنسيين الذين لا ينبغي البحث عنهم. .
يتعلمون في القلعة الفنون القتالية، واللغة العثمانية القديمة، ويُرسلون فيما بعد إلى الجبهات القتالية البعيدة. فيكون مصيرهم الموت، او الإعاقة، او الأسر، او الضياع في متاهات البلدان النائية. واحيانا تكون قلعة وادرين بوابة للمنفيين. فقد نُفِي الكثير من ابناء مصر والعراق وبعض أهالي نجد والمدينة المنورة إلى تلك القلعة، ومنها إلى مدينة (قونيا) وسط الأناضول، وتلجأ الإمبراطورية العثمانية احياناً إلى تلك الإجراءات التعسفية للتخلص من تأثير رؤساء القبائل غير المرغوب فيهم بقصد الترهيب، أو لكسر وحدة القبيلة، أو منح زعامة القبيلة لشيخ آخر يميل إلى العثمانيين بعد نفي الشيوخ المعارضين إلى جهات بعيدة. نذكر منهم المجموعة التي ضمت كبار قبيلة البومحمد في ميسان (العراق)، الذين تم تسفيرهم اولا إلى قلعة (وادرين) ثم إلى قلعة اخرى في ألبانيا. وهم كل من:
- الشيخ عريبي بن وادي.
- الشيخ سلمان بن غيلان.
- الشيخ فالح بن صيهود.
- الشيخ كنبار بن كزار.
- وشقيه الشيخ بهار بن كزار.
- الشيخ حاتم بن صيهود.
لكنهم عادوا إلى ديارهم بعد عامين تقريباً، ومنهم من حصل على لقب الباشوية. وهي حالة نادرة يعود فيها المستبعدون بعد نفيهم إلى قلعة (وادرين). .
وذكرت بعض المصادر الحجازية أن الشيخ (راكان بن حثلين) شيخ العجمان، اُرسل بعد أسره إلى قلعة وادرين. وذكر الباحث (محمد صالح العبودي) في كتابه الموسوم: (كلمات قضت). أن تلك القلعة من الأمكنة البعيدة، وقد اشتق منها الناس مفردة: (ودّر) بمعنى (أبعد). واخذت منها كلمات: ودرناه وودره. ويقال: ودر الشيء بمعنى نحّاه، وبعده، ويقال أيضاً: ودر وجهك عني، اي أبعده عني، و ودر ماله اي أسرف فيه. .
وسلامتكم