رحل طارق الكاتب ولم نعرف السبب
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
من المفارقات العجيبة في تاريخ الموانئ ان المدرسة المهنية البحرية تأسست قبل الأكاديمية ببضعة أعوام، وكان التلميذ البحري (كاظم فنجان حسين) هو المتفوق الاول في السنة الاولى وفي سنتها الثانية، واذكر ان مجلس إدارة الموانئ قرر منح الناجح الاول حرية اختيار الشركة البحرية التي يرغبها. وما ان أعلنت النتائج حتى كان (كاظم) في طليعة المتفوقين وعلى رأس القائمة، وكان من حقه الاختيار، فاختار العمل في الموانئ، لكن الدكتور طارق الكاتب اعترض بشدة ورفض توظيفه في الموانئ، في مخالفة صريحة لقرار مجلس الادارة، فظهر اسم (كاظم) رغما عنه في شركة الناقلات. الأمر الذي اضطرّه لرفض الالتحاق بالناقلات باعتباره الناجح الاول. .
وكان الكابتن (المثنى شياع الزيدي) رحمه الله من المتعاطفين جدا مع (كاظم)، ولم تمض بضعة اشهر حتى قرر الكابتن مثنى ادراج إسم (كاظم) مع قائمة الطلاب المكملين الذين نجحوا في الدور الثاني بغية توظيفه في الموانئ، وكان من ضمنهم الكابتن عبد الأمير عبد السيد، ورياض عبد الصاحب، ومحمد ياسين، وغيرهم. .
وكان يتعين على مدير الأفراد وقتذاك (الراحل يحيى المناصير) عرض الأمر الإداري على الدكتور طارق الكاتب لتوقيعه والموافقة عليه، وهنا انفجر الدكتور طارق غاضبا بوجه (المناصير) وخرج من مكتبه منفعلا وهو يرمي الأوراق بوجه يحيى المناصير، ثم خرج في الممر العلوي وهو يصرخ بأعلى صوته: (قلت لكم مليون مرة لا اريد قبول كاظم فنجان في الموانئ). ثم مزق الأوراق وقذفها بوجه يحيى المناصير. .
كان كاظم فنجان يقف مع زملاءه على مسافة قريبة، وشاهد المنظر المؤسف. .
عاد طارق الكاتب إلى مكتبه، ثم خرج الموظفون يسألون كاظم. لماذا غضب عليك الدكتور ؟ هل يعرفك من قبل ؟. ما الذي بينك وبينه ؟. فكان الجواب: لا اعرف – لا اعرف – لا اعرف. .
عاد كاظم إلى بيتهم في المعقل بوجهه المبلل بالتعاسة، فاستقبلته أمه رحمها الله بالعويل والبكاء، ثم شهقت إلى ربها بالدعاء وهي ترى ضياع مستقبل ابنها. .
وفي صباح اليوم التالي ارسل يحيى المناصير سيارة إلى بيت كاظم فنجان، طلب منه الحضور إلى قسم الإفراد لاستلام امر تعيينه بالموانئ. .
قال لهم كاظم: وماذا عن الاستاذ الدكتور طارق الكاتب ؟. قالوا له: لقد جاءت سيارة لوري من بغداد عصر يوم امس ونقلت اثاث بيت الدكتور إلى بغداد، وصدرت الأوامر بفصل الدكتور من الموانئ وحرمانه من العمل في المؤسسات الحكومية. .
لم يكن لكاظم اية واسطة في الدولة العراقية، ولا احد يعلم حتى الان لماذا فصلوا الدكتور من عمله ؟. ولماذا قرروا ترحيله ليلا إلى بغداد ؟ في حين لم يخطر على بال الجن الأزرق ان يكون هذا مصير الرجل الاول في الموانئ العراقية. .
لقد تدرج (كاظم) في معظم المواقع القيادية في الموانئ، حتى اصبح وزيرا للنقل ثم نائباً في البرلمان ممثلا للبصرة بعد حصوله على 18 الف صوت. وحاول زيارة الدكتور طارق في الأردن لمعرفة الاسباب والمسببات التي جعلته يرفض تعيينه في الموانئ، ومعرفة اسباب ترحيل الدكتور إلى بغداد. لكنه فشل في تحقيق اللقاء الذي طال انتظاره. اغلب الظن ان إقالة الدكتور، واستبعاده من البصرة لها علاقة بالغموض الذي عصف بالموانئ وقتذاك، والذي تطرق له الباحث (حسن السعيد) في كتابه الموسوم (نواطير الغرب). . .