رميتهُ بعصا السنوار
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
تزينت موسوعة الأمثال العربية الحديثة بلافتة جديدة تحمل سمات الجود بالنفس: (رَمِيْتُهُ بعصا السنوار) دلالة على شجاعة المرء، و وقوفه وحده بإزاء الموت. كان يذود وحده بكل ما يستطيع. استفرغ وسعه حتى الرمق الأخير، وبذل كل جهده. لم يبق معه إلا عصا رمى بها جيوش الأعداء بعد اشتباك نجا منه لبضعة دقائق، فداهمته طائرة مسيّرة، ثم دبابة، ثم انهمر عليه الرصاص. .
كان يتحدى خصمه بشرف وهو مضرج بالدماء. لم يكن يرغب في أن يضرب لنا مثلا، ولا أن يراه الناس ويصفقون له. لم يكن محاصرا بالخجل خوفا من ضراوتهم. ولم يخطر بباله ان يرسم لحظة النهاية بالصورة التي وصلتنا. بل كان قائداً حقيقياً يتحدى خصمه ببسالة وجسارة ليذيقهم طعم انتصار الدم على السيف في مشهد لم تألفه الأعين. لقطات تاريخيّة خالدة صورتها العدسات جمعت بين حشود حربية مدججة بالأسلحة الفتاكة، ورجل نحيف أعزل يحمل بيده هراوة يخيفهم بها، فشاءت الأقدار أن يراه العالم في كل القارات ليشهد له بالبسالة والفداء. .
هناك دائما ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروته، ويبلغ الحق فيها أقصى محنته، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول التي رسمها السنوار. .
في طوكيو الواقعة على الطرف الآخر من كوكب الأرض، تحدث اليابانيون في صحفهم عن شهامة الرجل. قالوا: أنه يجسد روح الساموراي، ذلك المقاتل الياباني الشرس، بل إنهم رسموه في لوحة تذكارية، وأصبح رمزا ثوريا في ثقافتهم. فقد شعر اليابانيون بالفارق الكبير بين شخص له قيمة وشخص له ثمن، فهنيئاً لمن له قيمة لا تقدر بثمن. .
في عام 2004 كتب السنوار مقدمة لروايته (الشوك والقرنفل). قال فيها: (هذه ليست حكايتي الشخصية، وليست حكاية شخص بعينه رغم أن كل أحداثها حقيقية، فكل حدث منها. أو كل مجموعة أحداث تخص هذا الفلسطيني أو ذاك، الخيال في هذا العمل فقط في تحويله إلى رواية تدور حول أشخاص محددين ليتحقق لها شكل العمل الروائي وشروطه، وكل ما سوى ذلك حقيقي، عشته وكثير منه سمعته من أفواه من عاشوه هم وأهلوهم وجيرانهم على مدار عشرات السنوات على أرض فلسطين الحبيبة. اهديه إلى من تعلقت أفئدتهم بأرض الإسراء والمعراج من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط). .
هذا هو السنوار البطل المغوار. فتحوا وصيته، فوجدوا فيها هذه الصيحة المدوية، التي يقول فيها: (إذا سقطت، فلا تسقطوا معي، بل احملوا عني راية لم تسقط يوما، واجعلوا من دمي جسرا يعبره جيلٌ يولد من رمادنا. لا تنسوا أن الوطن ليس حكاية تروى، بل هو حقيقة تعاش، وفي كل شهيد يولد من رحم هذه الأرض ألف مقاوم.
إذا عاد الطوفان ولم أكن بينكم، فاعلموا أنني كنت أول قطرة في أمواج الحرية، وأنني عشت لأراكم تكملون المسيرة. كونوا شوكة في حلقهم، ، طوفانا لا يعرف التراجع، ولا يهدأ إلا حين يعترف العالم بأننا أصحاب حق، وأننا لسنا أرقاما في نشرات الأخبار). .