المواطن المستقر .. قطيع في حديقة العولمة !
بقلم : حسين الذكر ..
بعض الدول حينما يتعاقدون مع كفاءة ما لمتطلبات وتوظيفات معينة يثبتون في العقد نقطتين أساسية .. يمكن التساهل بكل شيء الا فيهما : ( الدين والسياسة ) حتى أقارب وأصدقاء المتعاقد الجديد ينصحوه محذرين بقولهم الشهير ( اياك ان تتدخل في الدين والسياسة .. غير ذلك كله متاح ومباح مع ليال سبع ملاح .. يا عبد الفتاح ).
في كتابه ( العبودية الاختارية ) للمفكر الفرنسي إتيان دولابويسي يعرف صناعة المواطن المستقر قائلا : ( هو المواطن الذي يتعرض الى قمع ورضوخ لسياسات توفر الاحتياجات المادية دون السماح بأي فسحة من التفكير بالواقع .. اذ يعيش المواطن فيه برضى وقناعة حتى ينتج أجيال لا تحتاج الى الحرية ولا تفكر بها ، بل ان تعريف الوعي عندهم يصبح مختلف تماما عما هو في القواميس العالمية ) .
يضيف دولابويسي : ( ان المواطن المستقر اقرب الى حيوان ناطق اذ يصب جل اهتمامه بالعيش السهل وممارسة الدين السطحي والهوس بكرة القدم .. فتويفر احتياجاته اليومية تجعله لا يعبه ولا يفكر باي حقوق سياسية او قانونية ما دامت البطون مترعة والاغاني مشرعة والطقوس متاحة .. فهم لا يثورون ولا يشتكون فاقدي الإحساس في البيئة والمحيط متلبسين لذات قنوعة حد الإحباط .. ملتزمين بالتعليمات طوعا ومهوسين بكرة القدم التي تعوضهم عما حرموا منه في الواقع اليومي فاصبحوا يجدوه من خلال منافسة تسعين دقيقة تتيح لهم التشجيع والتعبير عن آرائهم بحرية فلا احد يراقبهم ولا يحاسبهم فضلا عن إحساسهم بالعدالة والمنافسة المحرومين منها .. اما الدين فعندهم تادية طقوس سطحية جامدة لا تغيير فيها مسلمة خلف عن سلف .. لا يعدون الدين أساس لتحقيق العدالة الاجتماعية اوالإحساس الثوري او الوعي الفكري فهو طقوس توارثوها دون ان تكون له علاقة بالسلوك : فهم يكذبون ويجرمون دون الإحساس بذنب .. لكنهم يحسون بتانيب الضمير حينما تفوتهم فريضة معينة .. يمارسون النفاق والرشوة والسرقة علنا بلا حرج . كما انهم لا يدافعون عن دينهم ولا يحسون بآلام أبناء طبقتهم الدينية الاكبر .. الا اذا حسوا بخطر شخصي او على اسرهم ) .
يقول د . علي شريعتي ان المسجد في زمن الرسول محمد (ص ) كان له ثلاثة أبعاد : بُعدٌ ديني (معبد)، وبُعدٌ تربوي (مدرسة)، وبُعُد سياسي (برلمان)، وكان كل مواطن عضواً فيه.
فيما يقول إتيان ( ان المواطن المستقر يعيش ويترعرع في ظل الاستبداد .. حتى يتحول الى كيان مطيع متكيف لا يعبه بالثورات والمظاهرات .. يفضل عالمه الصغير الذي يحصل فيه على متطلباته .. فهو متواضع قنوع لا يطمح اكثر من اكل وشرب وهوس ترفيهي بالغناء والمهرجانات ولعب الكرة وسباق الحيوانات ومهاوشة الطيور .
المواطن المستقر يؤمن ايمان مطلق بمقولة ( سلمت أمور الناس ما سلمت اموري ) فحينما يكون بخير يشعر بان العالم كله بخير .. اما الامام الامام علي بن ابي طالب (ع) فكان يردد قولته الشهيرة ( سلمت اموري ما سلمت أمور المسلمين ) ..
بالمحصلة النهائية المواطن المستقر ليس عنده مشكلة كبرى في حياته فقد كره التغيير وكل من يتحدث فيه بل يحاول الخلاص منه عبر اتهامه بالزندقة والخروج من الدين .. المواطن المستقر يعد مشكلة كبرى على الدولة والمجتمع ويصبح خطرا اكبر لتحوله الى عقبة حقيقية بوجه أي تغيير فكري .