تدمير قبر الشاعر أبو العلاء المعرّي أول الغيث في مطر الجولاني
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
لم يدم طويلاً، القناع ( السلمي )، الذي ارتدته (هيئة تحرير الشام).. ولم تصمد رسائل التطمينات التي قدمها أبو محمد الجولاني – أحمد الشرع – إلى المجتمع الدولي – كما لم تقوَ أيام العسل ( الجولانية) على الوقوف أمام العقيدة السلفية الدموية، والنزعة الإجرامية المتجذرة في اعماق هذا التنظيم الإرهابي.. وفي الوقت نفسه لم تنفع محاولات التحسين والتجميل التي اقترحتها سياسة (الثعلب) اردوغان، والتي ظهرت جلية على لباس الجولاني المدني، وأدائه المتزن، ونبرته الواثقة وهو يتحدث مع ضيوفه في قصر (الشعب) الرئاسي بعد هروب بشار الأسد، رغم أن شكل الرجل بلحيته (الداعشية) وعينيه القاسيتين بدا غريباً وغير متلائم بالمرة مع بدلته المدنية وربطة العنق التي يتراءى لي أنه أُكره أو أُجبر على ارتدائها..فضلاً عن أن الجولاني الذي أوصاه معلموه الأتراك، وشجعه الأمريكيون، على القبول بالجلوس مع النساء (السافرات) سواء أكن من السوريات أو الأجنبيات – لم ينجح بتنفيذ التوصية، بعد أن رفض مصافحتهن رفضاً قاطعاً، فصارت فضيحة مدوية أمام كاميرات العالم، ومثال على ذلك امتناعه عن مصافحة وزيرة خارجية المانيا قبل يومين، الأمر الذي جعل حكومة المانيا تعلق على ذلك بتصريح رسمي قالت فيه ان ” القضية ليست في عدم المصافحة، أو في حقوق المرأة، إنما هي مؤشر على مدى حرية المجتمع السوري تحت سلطة من هذا النوع ” ..!
لذا استطيع القول اليوم، إن الأقنعة والمساحيق المدنية والديمقراطية، لم تثبت كثيراً أمام القوة الآيدلوجية العنفية، والذكورية المتأصلة لدى الجولاني وافراد تنظيمه، إذ سرعان ما سقط المكياج أمام أول امتحان حقيقي يخوضه نظام تحرير الشام ورئيسه .. فالقضية برأيي أكبر من مكياج تشذيب اللحية، أو ارتداء بدلة وربطة عنق.. فمن وعى وتثقف على مؤلفات وأفكار وعقائد ابن تيمية، وتربي على يد عتاة التطرف والكراهية كالزرقاوي والظواهري وابو بكر البغدادي لايمكن أن يصبح (ديمقراطياً) ورجلاً مسالماً و ( حباباً ) بمجرد ان يخلع بدلة القتل، ويرتدى (القاط ) وربطة العنق ..!
قد يتهمني بعض القراء بالتشاؤم، والاستعجال بإطلاق الرأي على الرجل، لكن الحقيقة واضحة وضوح الشمس، فما يجري في سوريا اليوم ينذر بمستقبل مظلم، وأيام سود لهذا البلد المظلوم، وهذا الشعب الجميل الذي يكفيه عذابه ومعاناته على مدى نصف قرن على يد عصابة الأسد، وتكفيه كؤوس المر التي تجرعها في معتقلات المخابرات، و أقبية ( الشبيحة ) والمليشيات وغيرها من مجاميع البعث الفاشية ..
إن الشعب السوري لا يستحق هذا الاضطهاد والاذى والتدمير والوجع المتواصل، فهو الشعب الذي قدم للثقافة والشعر والموسيقى والمسرح العربي والإنساني أعظم الأسماء والرموز الإبداعية.
وما يحصل اليوم في حمص مثلاً، من اغتيالات واختطاف وتغييب، وما يرافق ” الحملة الأمنية ” التي أعلنت عنها إدارة العمليات العسكرية لملاحقة من سمّتهم
” فلول النظام” في ظل محاولات التعتيم وقطع الاتصالات واختلاق المبررات والأكاذيب بحجج واهية، لهو أمر يدعو للأسى، ويكشف أيضاً عن حقيقة هذا التنظيم التكفيري العفن، ويفضح سياسة التسويق والتلميع التي تقودها تركيا وقطر بقوة، وتدعمها أمريكا وبعض دول اوربا .. فمحافظة حمص لم تكن الوحيدة التي تعاني، إنما ثمة محافظات ومناطق أخرى عديدة تعرضت من قبل عناصر هيئة تحرير الشام إلى فوضى وإطلاق نار واستعراضات للقوة، وهجمات واعتداءات على خلفيات طائفية بحتة.
وبحسب مصادر أهلية، فإن مسلحين ملثّمين يتبعون لإدارة العمليات، قاموا بإطلاق النار بشكل كثيف في أحياء المدينة، قبل أن يقوموا بتحطيم أبواب المنازل واقتحامها. كما تم القبض على عدد من الضباط في الجيش المنحل واقتيادهم إلى جهة مجهولة، بعد أن تم الاعتداء عليهم بالضرب أمام السكان، وإذلال بعضهم عبر إجبارهم على تقليد أصوات حيوانات امام عوائلهم وأطفالهم. إن ما جرى بأحياء حمص قد جرى مثله في مناطق الريف، حيث حصلت فيها أعمال انتقام وهجمات مسلحة منظمة، ذهب ضحيتها عدد من المواطنين، بينهم شقيقة وخالة الفنان الشعبي السوري المعروف (بهاء اليوسف). وإذا كانت ( ديمقراطية) الجولاني لا تستوعب مغنياً شعبياً مثل بهاء اليوسف، فكيف ستستوعب فنانين ذوي ألسنة طويلة لاذعة مثل دريد لحام وياسر العظمة و ايمن زيدان وباسم ياخور وغيرهم، وكيف إذاً ستقبل بوقوف فنانات جميلات كميادة الحناوي وأصالة نصري وامل عرفه وغيرهن على مسارح دمشق واللاذقية وغيرها؟!.
وهنا اود أن أستعين بالبيان الذي أصدرته قبل يومين مجموعة ” السلم الأهلي في حمص”وهي مجموعة أنشأتها فاعليات أهلية في المحافظة بعد سقوط نظام الأسد، وذلك «لضمان تعزيز السلم الأهلي في مدينة حمص، وبناء جسور التواصل بين جميع مكوّنات المجتمع بمختلف أطيافهم”، وقد كشفت فيه بعض جوانب الاعتداءات التي يتعرض لها سكان حمص.. وذكر البيان: « أنه تم تسجيل حالات تفتيش للهواتف المحمولة من دون مبرّر قانوني، وتدمير ممتلكات شخصية في حمص، مثل الآلات الموسيقية، وطرح أسئلة بطرق مهينة حول الانتماءات الطائفية. كما تم توثيق العديد من الحالات المشابهة بالصور ومقاطع الفيديو في عدة مناطق مثل شارع محمد الفاضل، و إسكندرون، ومحيط خزان المياه في الزهراء، ومحيط ساحة السبع شجرات في السبيل.
كما تم تسجيل استخدام مفرط للقوة في حالات (تفتيش ) عدة، تم فيها إجبار النساء والرجال على الوقوف بشكل منفصل مع توجيه إهانات لفظية وشتائم إليهم. وفي أحياء أخرى مثل المضابع، سُجلت الكثير من حالات الضرب والشتم لمواطنين ومواطنات، أو شتم بعض النساء لأنهن لم يكنّ يرتدين أوشحة على رؤوسهن، فضلاً عن إطلاق النار في الهواء في الأحياء مع دخول القوات إليها، بطريقة عشوائية تثير الذعر والرعب غير المبرر .
وفيما أكدت المجموعة توثيق حالات فرضت فيها القوات العسكرية على بعض الموقوفين ” إصدار أصوات مشابهة لأصوات بعض الحيوانات، بغرض الحط من قيمتهم كبشر، وهي ممارسات تذكّرنا بممارسات النظام البعثي السابق، وتُعتبر انتهاكاً صارخاً للكرامة الإنسانية” وقد أشار البيان إلى أن المجموعة الأهلية حاولت التواصل مع قادة الهيئة السياسية لتوضيح الموقف ومعالجة هذه التجاوزات، من دون أن تتلقّى أي ردود حتى الآن، كما طالبت بتشكيل فرق مدنية مرافقة للعملية الأمنية، وإدانة الانتهاكات، والتوقيفات، موضحة أنه «تم تسجيل 118 حالة توقيف خلال الحملة في يوم واحد»، مطالبةً بـ«الكشف عن قوائم الموقوفين وإبلاغ ذويهم بأماكن احتجازهم والتهم الموجّهة إليهم».
وتأتي هذه الأحداث بعد نحو أسبوع على مواجهات ذات خلفية طائفية شهدتها بعض المحافظات السورية مثل اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص وبعض مناطق دمشق أيضاً ..
إن تجاوزات واعتداءات عناصر هيئة تحرير الشام لم تتوقف بحق الأبرياء حتى يوم أمس، حيث قام بعض أفراد القوة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام في كليات (جامعة حماة)، برفض تسليم أوراق الامتحان إلى الطالبات (السافرات ) إلا بعد تقديمهن تعهداً خطياً بارتداء الحجاب بعد انتهاء الامتحانات ..!
لقد حصل هذا مع جميع الطالبات بما في ذلك الطالبات غير المسلمات !. إن هذا النظام التكفيري الذي هدم أمس قبر أبي العلاء المعري، وهو الشاعر الذي أضاء ظلمات الفكر بعبقريته الفذة، رغم أن المعري (سوري )، مولود في حلب ومتوفى فيها أيضاً.. أقول: إن نظاماً غير قادر على استيعاب شعر وفلسفة شاعر متوفى قبل حوالي 1200 سنة، شاعر لم ينتقد جرائم الجولاني، أو يشتم الحاج أردوغان، أو يلعن الشيخ القرضاوي، كيف سيتعامل مع مسرحيات الماغوط الناقدة حد التدمير، أو يتقبل غزليات نزار قباني ، أو يوافق على غناء سارية السواس وفرقتها الغجرية المثيرة؟!.