بجعات سوداء وبجعات رمادية
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
المقصود بالبجعات: كل الأحداث غير المحتملة، التي تترك آثارها المدمرة على الأسواق المالية والاقتصاديات الدولية. والتي لا يمكن التكهن بنتائجها المتطرفة، ولا يتصدى لها الخبراء إلا بعد حدوثها. وغالبا ما يُنظر إليها على أنها مفاجأة وغير مألوفة، لأنها تتحدى الحكم العام، وتعارض النماذج والنظريات المعتمدة. .
وبالتالي هي أزمات عالمية مزلزلة تعصف باقتصاديات البلدان المتقدمة. .
أما أول من انبرى لرصدها وتشخيصها فهو شيخ الخبراء نسيم نيقولا طالب، (أمريكي من اصل لبناني)، وتناولها عام 2007 في كتابه الموسوم: البجعة السوداء (The Balck Swan). وتحدث في الكتاب عن مخاطر القفزات العلمية المفاجئة والمتوالية، والأحداث التاريخية المباغتة التي ظهرت كأنها (بجعات سوداء) وكانت تمثل طفرات وزوابع غير متوقعة. مثال على ذلك: ظهور شبكة الإنترنت، والكمبيوتر، وهجمات 11 سبتمبر 2001 كأمثلة على ظهور البجعات السوداء وآثارها الكارثية المدمرة. .
يحذر المؤلف مؤخرا في لقاءاته المتلفزة من تداعيات مربكة سوف يهتز لها العالم، أطلق عليها (البجعات الرمادية) التي قد تضرب الأسواق المتفائلة بالذكاء الاصطناعي، ويرى انها اكثر غموضا وتعقيدا من البجعات السود، وبخاصة بعد الهزة التي أحدثها تطبيق DeepSeek (ديب سيك)، فهي في منظوره منطقة رمادية غير واضحة الملامح، وظهرت بعض البجعات في واحات الذكاء الاصطناعي، واللافت للنظر اننا لا نمتلك صورة دقيقة عن مستقبل الذكاء الاصطناعي وتكاليفه وأرباحه، فالتكاليف التي أنفقتها الصين لإنتاج برنامج DeepSeek اقل بآلاف المرات من التكاليف التي أنفقتها أمريكا على برنامج ChatGPT، من هنا يرى المؤلف ان الخبراء قد يكتشفون فجأة انهم أخطئوا في حساباتهم وفي توقعاتهم، وخير مثال على ذلك ما حدث لشركة (انفيديا) التي انهارت فجأة، وفقدت اكثر من 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد. فكانت خسارتها الفادحة وخزة تحذيرية مبكرة لبقية الشركات المهددة بهزائم منكرة امام تعاظم قوة التنين الصيني. .
ثم إن التقارب بين قدرات التضليل التي تنتجها تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتنشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي تهدد بخلق أزمات حقيقية، وذلك بسبب قدراتها الفائقة على توليد وتوزيع أفلام ومقاطع كاذبة يصعب التشكيك بها، ناهيك عن قدرات الذكاء الاصطناعي على التلاعب بعواطف الناس، وتضليل الرأي العام، والتي يمكن أن تؤدي إلى فقدان الثقة. وقد انتشرت الآن نماذج متطورة للتضليل تباع بسعر 800 دولار فقط، وهي قادرة على توليد محتوى يبدو أصليا بنسبة 90% ، وهذا يعني ان البجعة الرمادية سوف تدمر الشركات الكبرى والأحزاب السياسية عن طريق بث معلومات مغلوطة ومضللة تنتشر على نطاق واسع، وربما تقع بيد منظمات أرهابية تستغلها للضغط والابتزاز. .
وقد يصل دمج الذكاء الاصطناعي في الهياكل المؤسسية هذا العام إلى نقطة تحول حرجة، يترتب عليها إعادة هيكلة القوى العاملة بشكل كبير، في حين تشير الحسابات الى احتمال تسريح آلاف الموظفين. .
وهنالك بجعة رمادية مختبئة في مكان ما من الشرق الأوسط، توحي بسلسلة من الأحداث، قد يتحول فيها الصراع إلى حرب إقليمية سوف تترك آثارها على أسواق الطاقة العالمية، وعلى الأمن البحري في المضايق والممرات الملاحية. .
ختاماً. سوف يشهد هذا العام ظهور أسراب من البجعات السوداء والرمادية. . والله يستر من الجايات . .