خضوع أم إدارة فاشلة للأزمات؟
بقلم : تيمور الشرهاني ..
التحديات الهائلة التي تواجه العراق، يبدو أن حكومة محمد شياع السوداني قد اختارت طريقاً يثير الجدل ويعكس، في أعين الكثيرين، خضوعاً غير مبرر لإقليم كردستان على حساب المصلحة الوطنية العامة. بينما يعاني العراق من أزمات اقتصادية خانقة، وبنى تحتية متداعية، وخدمات شبه معدومة، تزداد التساؤلات حول أسباب استمرار هذا النهج السياسي الذي يتيح للإقليم التمتع بالامتيازات دون الالتزام بواجباته تجاه الدولة.
كما تبدو الحكومة الاتحادية بقيادة السوداني عاجزة عن فرض سلطتها على إقليم كردستان، حيث لا تملك السيطرة حتى على أبسط موظف حكومي هناك. في المقابل، يواصل الإقليم تصدير النفط بشكل مستقل، دون تسليم عائداته إلى الخزانة العامة، وهو التزام دستوري واضح. ومع ذلك، تستمر الحكومة في إرسال حصة الإقليم من الموازنة العامة، بما في ذلك رواتب الموظفين والإعانات الاقتصادية، وكأنها تخشى من رد فعل سياسي أو ربما تسعى للحفاظ على علاقات هشة على حساب العدالة الاقتصادية بين المحافظات العراقية.
ومن المثير للسخرية أن الحكومة الاتحادية، التي تواجه تحديات جسيمة في تأمين رواتب الموظفين في باقي المحافظات، تقدم “امتيازات سخية” لحكومة الإقليم، دون أن تحصل على أي التزام صريح بتسليم عائدات النفط أو تطبيق القوانين الاتحادية. هذه السياسة لا تقتصر على كونها مجحفة بحق باقي المحافظات، التي تعاني من البطالة والفقر، بل تعكس أيضاً ضعفاً واضحاً في الإدارة السياسية والاقتصادية للحكومة.
قد يجادل البعض بأن السوداني يحاول الحفاظ على استقرار العلاقة مع الإقليم لتجنب تأجيج الصراعات السياسية، خاصة في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها العراق. لكن هذا المبرر لم يعد مقنعاً للكثيرين، حيث يبدو أن السياسة الحالية تكرّس لنهج “التنازلات”، الذي يساهم في إضعاف الدولة المركزية وتعميق الانقسامات الداخلية.
في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون الحكومة الاتحادية هي السلطة الحاكمة العليا، يبدو أن إقليم كردستان يُعامل كدولة مستقلة، لا تخضع للقوانين الاتحادية إلا عندما يتعلق الأمر بالمطالبة بالحصص المالية والامتيازات. هذا الوضع يثير تساؤلات عن دور السوداني في حماية وحدة العراق وسيادته على موارده.
منذ سنوات، والعلاقة بين بغداد وأربيل تسير في دائرة مفرغة من الأزمات المتكررة. لكن حكومة السوداني لم تُظهر حتى الآن أي بوادر لحل جذري لهذه الإشكالية، بل يبدو أنها اختارت الاستمرار في نهج الحكومات السابقة، الذي يقوم على التنازل والترضية بدلاً من الحزم والشفافية.
الحقيقة أن هذا الفشل لا يقتصر فقط على العلاقة مع الإقليم، بل يمتد إلى طريقة إدارة السوداني للملفات الحيوية الأخرى، مثل الاقتصاد، والخدمات، والفساد. ومع ذلك، فإن قضية العلاقة مع الإقليم تظل أبرز مثال على ضعف الحكومة وعجزها عن فرض إرادتها.
إن استمرار هذا النهج من التنازلات لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإحباط الشعبي وتصاعد المطالبات بمحاسبة الحكومة. المطلوب اليوم ليس الخضوع لضغوط الإقليم أو التهرب من المواجهة، بل اتخاذ خطوات جريئة تعيد للدولة هيبتها وتحقق العدالة في توزيع الثروات.
على السوداني أن يدرك أن تعزيز علاقته مع الإقليم لا يجب أن يأتي على حساب باقي محافظات العراق ولا على حساب هيبة الدولة المركزية. فالقوة الحقيقية للحكومة تكمن في قدرتها على تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وضمان تطبيق الدستور على جميع الأطراف دون استثناء.
إن استمرار حكومة السوداني في هذا النهج الضعيف تجاه إقليم كردستان لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات الداخلية وإضعاف الدولة. المطلوب اليوم هو موقف حازم يعيد هيبة الحكومة الاتحادية ويضع حداً لهذا الخضوع غير المبرر، مع السعي الجاد إلى تحقيق التوازن في توزيع الثروات وإدارة موارد البلاد بشكل شفاف وعادل. العراقيون يستحقون حكومة تمتلك الشجاعة لمواجهة التحديات، لا حكومة تكتفي بالرضوخ لمطالب الإقليم على حساب الوطن.