الأمن ثمّ الأمن ثمّ الأمن ..
بقلم : أياد السماوي …
عندما يتعلّق الأمر بحياة الناس وأمنهم تتراجع كلّ الأولويات لصالح أمن البلد والمجتمع واستقرارهما , وبما يطلق عليه بالأمن الوطني .. فالأمن والاستقرار مفهومان مرتبطان ببعضهما بشكل وثيق , فلا استقرار من دون أمن , ولا أمن من دون استقرار .. وعندما تتراجع الدولة في قدرتها على حماية حياة الناس ومالهم وعرضهم , فإنّ المسؤولية في هذه الحالة لا تقع على عاتق السلطات الثلاث فحسب , بل هي مسؤولية المجتمع بأسره بكافة مؤسساته السياسية والدينية والاجتماعية وكذلك مسؤولية وسائل الإعلام .. في الآونة الأخيرة زادت بشكل ملحوظ الخروقات الأمنية والعمليات الإرهابية والاغتيالات ذات الطابع السياسي .. تقديرات الخبراء الأمنيين أنّ السبب الأساس في هذه الخروقات الأمنية وعمليات الاغتيالات والتصفيات السياسية , هو التغييرات الأمنية التي أجريت في وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية للدولة , حيث تمّ بموجب هذه التغييرات إزاحة واستبعاد عدد من القيادات الأمنية المشهود بكفاءتها وخبرتها عن إدارة بعض الأجهزة الأمنية الهامة واستبدالها بعناصر غير كفوءة , لأسباب لا تمّت بصلة للمهنية والخبرة والكفاءة .. ولعلّ الحادث الإرهابي الأخير الذي وقع في مدينة الكاظمية قبل بضعة أيام والذي أدّى إلى استشهاد وجرح عدد من المواطنين , والبيان الذي صدر عن وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات ( أحمد أبو رغيف ) , بأن الانفجار قد كان بسبب انفجار قنينة للغاز .. قد أوقع الحكومة خصوصا بعد إعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادث الإرهابي في حرج شديد , بل عرّض الحكومة ومؤسساتها الأمنية إلى حالة من التّهكم والاستهزاء .. وفي غمرة هذه الاختراقات الأمنية الخطيرة والاغتيالات السياسية التي طالت العديد من الناشطين السياسيين , يسقط مدير مخابرات الرصافة العقيد نبراس فرمان مضرجا بدمائه وسط بغداد وفي وضح النهار من قبل مجموعة مجرمة بعد تبادل لإطلاق النار معها أدّى إلى استشهاده ..
إنّ حادثة اغتيال عقيد المخابرات نبراس فرمان صباح هذا اليوم في منطقة البلديات , قد جعلت الجميع يتسائل إذا كان المجني عليه وهو ضابط كبير في جهاز المخابرات لم يسلم على حياته , فكيف سيسلم المواطن العادي على حياته ونحن ندعوه للمشاركة الفاعلة في الانتخابات النيابية القادمة ؟ وكيف سنجري انتخابات حرّة ونزيهة وعادلة في ظل انعدام الأمن وخوف الناس على حياتهم من العصابات المسلّحة ومليشيات أحزاب السلطة ؟ فهل هذه الأجواء تصلح لإجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة ؟ ومن الذي سيضمن حماية صناديق الاقتراع من التزوير ؟ إنّ عدم توفير الأمن للناخب للإدلاء بصوته بحرّية تامة ودون أي خوف أو تهديد أو ابتزاز , هو مبرّر منطقي لإلغاء الانتخابات .. وإذا كانت الحكومة عازمة على إجراء الانتخابات كما وعدت الشعب والمرجعية الدينية , وهذا هو المطلوب , فيجب عليها استبدال الوزراء الأمنيين ووكلائهم أولا , خصوصا وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات ومدراء الأجهزة الأمنية والاستخبارية وإعادة العناصر الكفوءة التي تمّ استبعادها لأسباب غير مهنية , فمنذ أن غابت العمليات الاستباقية وعمليات الإنذار المبّكر والكشف عن الإرهابيين والعملاء وضبطهم وتحديد الفاعل الحقيقي والجهة المسؤولة كما حدث في تفجير الكاظمية الإرهابي , عادت داعش بقوّة إلى بعض المناطق في محافظات صلاح الدين وديالى والعاصمة بغداد ..والسبب الأول والأخير هو هذه التغييرات الأمنية التي أجريت في هيكلية وزارتي الدفاع والداخلية بعيدا عن الكفاءة والمهنية , خصوصا التغييرات التي طالت المؤسسات الأمنية والاستخبارية .. فعندما تكون الحكومة عاجزة عن ضبط الأمن وحماية أرواح الناس وتحقيق الاستقرار , فعليها أن تذهب لتغيير قادة هذه الأجهزة الأمنية أو تقدّم استقالتها ..