التبعات السياسية والقانونية والمالية لمرحلة ما بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا التاريخي / الجزء الثاني
بقلم : أياد السماوي …
في الجزء الأول من هذا المقال كنّا قد أوضحنا لكم أنّ المحكمة الاتحادية العليا وبموجب الدستور هي الجهة الوحيدة المعنية حصرا بتفسير نصوص ومواد الدستور العراقي , ولا يجوز لأي جهة أن تأخذ دور المحكمة بتفسير مواد ونصوص الدستور , وأوضحنا كذلك أنّ قرار المحكمة الاتحادية بالدعوى المرقمّة ( 59 / اتحادية / 2012 ) يأتي في صلب مهامها التي نصّت عليها المادة 93 / رابعا من الدستور المتعلّقة بالفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم .. فالقول أنّ الحكم بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 غير صحيح وهو قرار سياسي تقف ورائه دوافع سياسية , هو بالحقيقة قول مضحك , لأن الحكم بعدم دستورية هذا القانون وإلغائه قد تمّ لمخالفته أحكام المواد ( 110 , 112 , 115 , 121 , 130 ) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 , وقد بيّنت المحكمة في قرار الحكم مخالفة هذا القانون لكلّ مادة من مواد الدستور المذكورة أعلاه .. وسبق وأن قدّمت وزارة النفط العراقية دعوى أمام (محكمة الولايات المتحدة المحلية/ المنطقة الجنوبية لولاية تكساس/ قسم غالفستون) بخصوص موضوع النفط المصدرمن قبل حكومة الاقليم بدون موافقة الحكومة المركزية وقد حكمت تلك المحكمة لصالح وزارة النفط في 7 /1 /2015 من قبل قاضي المقاطعة في الولايات المتحدة الامريكية ، واستأنفت حكومة اقليم كوردستان هذا القرار أمام محكمة استئناف محكمة مقاطعة الولايات المتحدة للمنطقة الجنوبية لولاية تكساس ( قضاة الدائرة الخامسة) وقد قررت المحكمة المذكورة رفض الاستئناف .. فهل كان قرار المحكمة الأمريكية سياسيا هو الآخر ؟؟ كما أنّ القانون رقم (22) لسنة 2007 قد تجاوز على اختصاصات السلطات الاتحادية المتعلّقة بوضع الميزانية العامة للدولة استناداً لأحكام المادة (110/ثالثاً) من الدستور , وإن عدم قيام حكومة إقليم كردستان بمراعاة الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية بخصوص النفط والغاز أدّى إلى حصول تعقيدات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وهذا بدوره أدّى إلى عدم إيصال حصة شعب إقليم كردستان من الموازنة العامة مما أدّى إلى عدم تسليم رواتب موظفي إقليم كردستان بصورة كاملة ولعدة سنوات , حيث أن قوانين الميزانية العامة توجب على حكومة إقليم كردستان تنفيذ ما تتضمنه تلك القوانين ومنها موضوع النفط وتصديره مما أثرّ على المستوى المعاشي لمواطني إقليم كردستان , وإن الالتزام بأحكام الدستور واحترام الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية ومنها الاختصاص الحصري المتعلّق باستكشاف النفط والغاز واستخراجهما وتصديرهما فإن ذلك من شأنه أن يُمَكّنْ مواطني الإقليم من الحصول على مستحقاتهم من مجمل مبلغ الموازنة وفقاً للنسب المحددة بموجب القانون دون تعليق ذلك على حل الخلافات الحاصلة بين الحكومة الاتحادية والإقليم إذ يجب أن لا يتأثر أبناء محافظات الإقليم بتلك الخلافات .. لذا فإن قيام حكومة إقليم كردستان باستخراج النفط وتصديره والتعاقد مع الأطراف الخارجية دولاً وشركات وتشريع قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان يخالف أحكام المواد (110 و111 و112 و115 و121/ أولاً) من الدستور .. كما أنّ المادة (111) من الدستور قد نصّت على ( النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات ) , واستناداً لذلك فإن تعبير الشعب العراقي يشمل جميع العراقيين دون استثناء من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه بغض النظر عن القومية أو الدين وإن النفط والغاز في جميع أنحاء العراق هو ملك الشعب العراقي ، والذي لا يجوز لأية سلطة اتحادية أو السلطات المحلية للأقاليم والمحافظات تجاوز ذلك ، وإن ذلك موجب لتوزيع عائدات النفط والغاز على جميع أبناء الشعب العراقي بصورة متساوية وعادلة بغض النظر عن مناطق إنتاج تلك الثروات لكي لا يحرم أبناء المحافظات غير المنتجة منها كما أن ذلك يستلزم اطلاع ومعرفة أبناء الشعب العراقي بمقدار عائدات النفط والغاز باعتباره هو المالك لها للوقوف على كيفية توزيعها فمن غير الممكن أن لا يعلم المالك بعائدات ملكه وكيفية توزيعها .. كما إنّ إدارة الحكومة الاتحادية للنفط والغاز والمتمثلة بوزارة النفط الاتحادية يخضع لأحكام القوانين النافذة والتي لا زال معمولاً بها استناداً لأحكام المادة (130) من الدستور والتي نصت على (تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تُلغ أو تعدل، وفقاً لأحكام هذا الدستور) ومن تلك القوانين قانون تنظيم وزارة النفط رقم (101) لسنة 1976 وقانون الحفاظ على الثروة الهيدروكربونية رقم (84) لسنة 1985 كما أن الوزارة تعمل أيضاً وفق القوانين التي شرعت من قبل مجلس النواب ومنها قانون شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018 وقانون فرض ضريبة الدخل على شركات النفط الأجنبية المتعاقدة للعمل في
العراق رقم (19) لسنة 2010 وقانون استيراد وبيع المنتجات النفطية رقم (9) لسنة 2006 .. ولهذا فقد صدر حكم الشعب بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 وإلغائه لمخالفته أحكام المواد (110 و111 و112 و115 و121 و130) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 , وإلزام حكومة الإقليم بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان والمناطق الأخرى التي قامت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان باستخراج النفط منها وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط الاتحادية وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره .. تابعونا في الجزء الثالث
أياد السماوي
في 18 / 2 / 2022