التبعات السياسية والقانونية والمالية لمرحلة ما بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا التاريخي / الجزء الثالث
بقلم : أياد السماوي …
في الجزئين الأول والثاني كنّا قد أوضحنا أهمية قرار المحكمة الاتحادية العليا بالحكم بالقضية ( 59 / اتحادية / 2012 ) المتعلّق بملّف نفط إقليم كردستان , وقلنا أنّ أهمية هذا القرار من الناحية السياسية والاقتصادية هو بمستوى قرار تأميم النفط عام 1972 , وأوضحنا بالدليل والمنطق صحّة هذا القرار الذي هو من اختصاص المحكمة الاتحادية الحصري , وأوضحنا كذلك الأسس الدستورية والقانونية التي اعتمدت عليها المحكمة الاتحادية العليا في إصدار قرارها التاريخي .. ومن الطبيعي أنّ هذا القرار التاريخي ستترّتب عليه نتائج سياسية وقانونية ومالية سترسم خارطة جديدة للعلاقة بين المركز والإقليم , بل أن هذا القرار قد وضع مسارا قانونيا جديدا لهذه العلاقة , فما قبل القرار غير ما بعد القرار .. فإذا كانت العلاقة السابقة بين المركز والإقليم قائمة على مبدأ أنّ نفط كردستان وثرواته لكردستان فقط وأنّ نفط العراق وثرواته لكردستان والعراقيين شراكة , فإن قرار المحكمة الاتحادية التاريخي , قد جعل من نفط العراق في كلّ الأقاليم والمحافظات ملكا لعامة الشعب العراقي بعربه وأكراده وتركمانه وباقي مكوّناته الأخرى استنادا إلى الدستور العراقي الذي جعل النفط والغاز في جميع الأقاليم والمحافظات ملكا للشعب العراقي ..
فمن الناحية القانونية ومنذ لحظة صدور هذا القرار , فقد أصبح النفط المصدّر من إقليم كردستان خارج شركة سومو هو نفط مهرّب وغير شرعي , وينبغي على وزارة النفط الاتحادية اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لإيقاف تصديره وإجبار حكومة الإقليم على تسليك كامل النفط المنتج والغاز إلى شركة وزارة النفط الاتحادية ممثلّة بشركة سومو , كما إنّ قرار المحكمة الاتحادية قد أصبح حاكما على أي قانون للنفط سيشرّع مستقبلا , فبموجب هذا القرار لا يمكن تشريع أيّ قانون يجيز ويسمح للأقاليم والمحافظات المنتجة أن تنفرد باستخراج وتصدير النفط خارج وزارة النفط الاتحادية .. وليس هذا فقط بل أنّ القرار يلزم حكومة الإقليم بالإفصاح عن كميات النفط والغاز المصدّر منذ سنة 2009 وحتى صدور قرار المحكمة , والإفصاح كذلك عن عائدات هذا النفط وبأي حساب تنزل .. لكنّ الاستحقاق الأهم هو استحقاق حصّة الإقليم من الموازنة العامة , فبعد قرار المحكمة الاتحادية العليا , لن تكون هنالك أيّ حصّة للإقليم من الموازنة الاتحادية العامة , ما لم يقوم الإقليم بتسليم كامل النفط والغاز المنتج من حقول الإقليم والحقول الأخرى التي يسيطر عليها خارج حدود الإقليم .. وما كانت تقوم به الحكومات السابقة والحالية من تسليم الأموال لحكومة الإقليم من عائدات نفط البصرة والعمارة والكوت والناصرية ومن دون أن يسلّم الإقليم برميلا واحدا من النفط أو دينارا واحدا من موارد المنافذ الحدودية والمطارات والضرائب والرسوم , قد انتهى وللأبد بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا التاريخي , ومن المؤكد أن جميع رؤساء الحكومات السابقة ورئيس الحكومة الحالية سيساقون للقضاء بتهمة عدم الحفاظ على أموال الشعب العراقي وتبديد ثرواته , ولن يفلت أحدا منهم من العقاب , لأنّ الحكومة التي تخدع شعبها كلّ عام عند تشريع قانون الموازنة العامة وتقوم بتسليم الأموال من دون أن تستلم برميلا واحدا أو دينارا واحدا , وتعود في السنة الثانية وتسلّم أموال الشعب العراقي للإقليم مرة أخرى وهكذا كلّ سنة , فهذه الحكومات هي حكومات متواطئة مع من يسرق أموال الشعب العراقي , وقد بلغ العجز بهذه الحكومات حتى من توجيه سؤال إلى حكومة الإقليم عن مصير أموال النفط المصدّر كم هي وبأي حساب تودع ؟؟ .. وربّما يكون أكثر رؤساء الوزراء الذين تواطؤوا مع حكومة الإقليم وبدّدوا أموال الشعب العراقي , هما رئيس الوزراء الحالي والسابق .. وهذا لا يعني أنّ رؤساء الوزراء الذين سبقوهم لم يبدّدوا هم أيضا ثروة وأموال الشعب العراقي ..
في ختام هذا المقال .. أتوّجه بالنصيحة إلى حكومة الإقليم رحمة بشعبنا العراقي الكردي أن يحترموا قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي هو قرار منصف وعادل للكرد قبل غيرهم من العراقيين , فإذا ما أراد الأخوة في حكومة الإقليم أن نعيش معا عربا وأكرادا وتركما ومكونات أخرى , بسلام ومحبة ومتساوون بالحقوق والواجبات , فما على حكومة الإقليم إلا أن تخضع لقرار المحكمة الاتحادية العليا أسوة بالبصرة التي تنتج قرابة خمسة ملايين برميل من النفط وتسلّم كلّ نفطها المنتج إلى وزارة النفط الاتحادية , فليس من العدالة ولا من الإنصاف أن تأخذ حكومة إقليم كردستان كامل حصتها من الموازنة الاتحادية العامة وتمتنع عن تسليم نفطها ومواردها المالية الاخرى للحكومة الاتحادية ..
أياد السماوي