تاريخ الجهاد بين جيلين متناقضين
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
مرت حركات الجهاد الاسلامية في الوطن العربي بمرحلتين متناقضتين :-
- المرحلة الاولى، وانحصرت بالمدة من 1848 الى 1948، وكان من أبرز قادتها العظام: جمال الدين الافغاني (1838 – 1897)، احمد عرابي (1841 – 1911)، عمر المختار (1858 – 1931)، عبد الكريم الخطابي (1882 – 1963)، عز الدين القسام (1882 – 1935)، عبد القادر الحسيني (1907 – 1948). وغيرهم من الذين ضحوا بارواحهم في مواجهة الاطماع الاستعمارية، فخاضوا معارك الشرف بكل بسالة لتحرير البلاد والعباد من قبضة القوى الغربية الغاشمة. .
- المرحلة الثانية: وجاءت ولادتها عام 1998 بتأسيس الجبهة الإسلامية العالمية، وظهرت بعدها تنظيمات وحركات سلفية جهادية في مناطق متفرقة، أعلنت بعضها الولاء لتنظيم القاعدة، الذي يتزعمه ابن لادن، وظهر من بعده ابو بكر البغدادي ليقود تنظيمات داعش، ثم تناسخت التنظيمات، وتفرعت وتشعبت وانتشرت في العراق وسوريا وليبيا والسودان وسيناء وأماكن اخرى. .
لكن اللافت للنظر هو الفارق الكبير بين العقيدة القتالية عند قادة المرحلتين، آخذين بعين الاعتبار استثناء تنظيمات المقاومة الفلسطينية من هذه المقارنة لما تتمع به من خصوصية، وفيما يلي ابرز نقاط الاختلاف والتباين بين المرحلة الأولى والثانية:- - توجه قادة المرحلة الأولى نحو قتال الجيوش الأوروبية في اشتباكات ميدانية وجهاً لوجه، بينما توجه معظم قادة المرحلة الثانية نحو خوض الاشتباكات داخل التجمعات السكانية والمناطق المحلية وفي القرى والارياف والوديان المعزولة. .
- لم يكن قادة المرحلة الأولى يؤمنون بالطائفية، ولم تكن الطائفية ضمن أهدافهم، ولم يجاهدوا لنصرة طائفة ضد اخرى، بينما كانت الطائفية هي العنوان الرئيس لكل التنظيمات السلفية المسلحة في المرحلة الثانية. .
- لم يكن قادة المرحلة الاولى يؤمنون بالعمليات الانتحارية، ولم يشتركوا بقصف مدنهم واسواقهم وتجمعاتهم المدنية، وكانوا يعاملون الاسرى بمنتهى الرفق، ويلتزمون بالقواعد الإنسانية، على عكس قادة المرحلة الثانية الذين سفكوا دماء أبناء المدن العربية بالأحزمة الناسفة والعمليات الانتحارية. واحرقوهم وهم احياء، وظهرت لديهم توجهات لقتال الاقليات، وسبي نساءهم. وكانوا يتفننون بذبح الاسرى والتمثيل باجسادهم. .
- لم يرتبط قادة المرحلة الأولى بالمخابرات الاجنبية، ولم يتلقوا منهم المساعدات، بينما صار بعض قادة المرحلة الثانية اداة بيد المخابرات الدولية. .
- كان قادة المرحلة الاولى يحظون باحترام القوى العالمية المناوئة للاستعمار، ولهم مكانة كبيرة في قلوب الناس، نذكر على سبيل المثال لا الحصر ان الثائر تشي جيفارا كان ينظر إلى المجاهد عبد الكريم الخطابي كرمز من رموز النضال والتحرر العالمي، بينما تسبب قادة المرحلة الثانية بتفشي ظاهرة الاسلاموفوبيا في جميع ارجاء العالم. .
- عُرف قادة المرحلة الاولى بثقافتهم الواسعة، وكانوا اساتذة عظام في تخصصاتهم، يجيدون معظم اللغات الحية، ولهم قاعدة جماهيرية واسعة، واتحفوا المكتبة العربية بعشرات المؤلفات، بينما اشتهر قادة المرحلة الثانية بالانغلاق والتطرف والتشدد والاعتكاف. .
لهذه المفارقات وغيرها كان من الطبيعي ان تبقى صور الافغاني وعرابي والخطابي والقسام وعمر المختار عالقة في ذاكرة التاريخ، وستبقى مضيئة على صفحات سجلات الخلود والكفاح الوطني المسلح. .
وللحديث بقية. .