البلد الوحيد الذي يستورد الفلافل
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
من فيكم يصدق اننا نستورد الفلافل ؟، هذه الأقراص البسيطة الرخيصة المتكونة من بقوليات منقوعة بالماء، ثم تُطحن وتُعجن وتُبهّر، وتًُقلى بالزيت الحار على شكل أقراص. صرنا نستوردها الآن من خارج العراق. .
انا شخصيا لم اكن أعلم اننا وصلنا إلى المرحلة الفلافلية التي اصبحنا نستورد فيها الحمص بطحينة والبابا غنوج والبورك والفلافل والكبة نية، والكبة الحلبية واختها الموصلية من خارج العراق، ولم اكن أعلم ان منتجاتها المعروضة في المولات والاسواق جاءتنا منقولة عن طريق البحر والبر، وتجشم من اجلها التجار مشقة السفر بحثاً عنها في تركيا ولبنان وقبرص من أجل جلبها إلينا. لم اكن أعلم بهذه المعضلة حتى جمعتني الصدفة على متن طائرة مع تاجر من شبابنا كان يدقق في منفست المواد، فوقع بصري على مادة الفلافل في جدول المواد المستوردة. سألته مستغرباً: هل استوردت فلافل ؟. فابتسم بلطف وقال نعم يا عماه، فانا استوردها من عدة مناشئ، وأحقق فيها ربحاً مقبولاً. فقلت له: ولماذا لا تنشئ معملاً صغيراً لإنتاجها محلياً في بغداد أو المحافظات من دون حاجة للسفر وتحويل المبالغ لشرائها من تركيا أو قبرص؟. ألا ترى ان ذلك أفضل وأسلم وأوفر وأبسط ؟. فاطلق الشاب حسرة طويلة، ثم قال لي: يبدو انك لا تعلم بحجم المشاكل والمتاعب التي تواجهك عندما تفكر بإنشاء معملاً إنتاجياً. ولا تعلم بحجم المنغصات التي تواجهك بعد إنشاء المعمل، لأنك سوف تتعرض لأبشع أنواع الابتزاز والاستفزاز. ولا تدري كيف تتكالب عليك اللجان بزياراتها اليومية المزعجة. .
قلت له: هل تقصد الرسوم والضرائب والاجور والعوائد والمستحقات المالية الأخرى ؟. . فضحك مستاءً بصوت عال، معبراً عن دهشته. قال لي: عن أي رسوم تتحدث يا عمي. خليها سكتة – الله يخليك. المشتكى عند الله. حاول ان تستفهم من أصحاب المصانع والمعامل لعلك تأخذ منهم الأجوبة التي تشيب لها رؤوس الرضعان، فكل المؤسسات لها حصة في معملك، وكل الجهات تشاركك في الربح وفي المبيعات، وكلها تطالبك بمواصلة الدفع، وكلها تستغلك وتستنزفك وتركب فوق ظهرك. ولا وجود لبرامج الاستثمار والتنمية. فالمعامل أبقار حلوبة ترعى في حدائق الجهات الرسمية وغير الرسمية. فعلى الرغم من متاعب استيراد الفلافل من بره، لكنها أرحم مليون مرة من تصنيعها محلياً. .
ولله في خلقه شؤون. .