دولة المسدسات
بقلم: فراس الغضبان الحمداني ..
لا ينبغي لمحبي الحياة والباحثين عن مستقبل أن يستسلموا لليأس ويكونوا عرضة للضعف والهوان والإستهانة بالأحلام لأنها جزء من كينونة الحياة والرغبة في شكل مختلف من العطاء فالأمر متصل بحاجات وضرورات الحياة حيث تثبت تجارب الماضي البعيد والقريب أن أمماً تجاوزت المحن والصعاب والحروب والدمار بالصبر والتحدي وبناء الإنسان والعمران حين تعرضت لأصعب أشكال التحدي والضغوط بل وضربت بالأسلحة النووية كاليابان في عام 1945 في مدينتي هيروشيما وناغازاكي اللتين دمرتا بشكل كامل وحزين ولم يبق منهما بشر ولا حجر ولا شجر فكان الإستسلام العسكري والسياسي والهزيمة النكراء حين وقع الإمبراطور الراحل هيروهيتو صك الخضوع للولايات المتحدة الأمريكية وطويت بذلك صفحة سوداء من تاريخ اليابان الإستعماري لكن اللافت إن اليابانيين إنطلقوا بقوة وغيروا مجرى الأحداث حتى وصلوا إلى تسمية يستحقونها ( كوكب اليابان ) الذي قدم للعالم نموذجاً حياً وواعياً ورائعاً للصناعة والإبداع والتكنلوجيا العالية ثم ها هي اليابان تستقبل قمة الدول الكبرى قرب مبنى دمرته قنابل أمريكا النووية ويقف الرئيس جو بايدن وكأنه سائح معجب يزور هيروشيما ناغازاكي اللتين تحولتا إلى تحفتين فنيتين ولوحتين تسترقان نظر العالم الأول والثاني والثالث وإذا ما كان من عالم فسيكون الكوكب الياباني مثالاً مقدماً له يسترعي الإنتباه في كل وقت ويحقق طفرات قياسية في مجالات التجارة والصناعة والزراعة والتكنلوجيا المتقدمة وأتذكر أن كاتباً مهماً في العراق كتب مؤلفاً تسعينيات القرن الماضي ( داود الفرحان ) وسماه ( بلد صاعد بلد نازل ) يقارن فيه بين اليابان والعراق وأثار جدلاً وردات فعل مختلفة في حينه حيث كانت اليابان تؤسس لمستقبل مختلف .
اليابان إنتقلت من المسدسات والبنادق والسيوف وعنتريات العهود الغابرة إلى عهد المؤسسات التي نجحت في تنظيمها وترتيبها حيث لا مكان للجريمة ولا للإستبداد ولا للحروب بل للنهوض والتطوير والقيم التربوية والإجتماعية العالية التي أصبحت مثلاً يقتدى به ونموذجاً للعمل والإبداع الكامل ودول أخرى كألمانيا التي إخترقتها جيوش الحلفاء من كل الجهات وصار شعبها يأكل الحشائش ليقتات عليها وبعد عقد من الزمن صار تلفزيونات العالم تبث تقارير عن العلوم والتكنلوجيا والطيران والتنظيم الرائع والعمل الصارم والقانون من ألمانيا الغربية ثم ألمانيا الإتحادية بعد سقوط جدار برلين حيث تحولت إلى قبلة للمهاجرين من كل الأنحاء ثم هاهي من أقوى الإقتصادات في كوكب الأرض تحتل مرتبة متقدمة للغاية وتتواصل معها بقية الدول لتستورد منها السيارات والمعدات الصناعية ويفخر كل واحد حين يشتري بضاعة مكتوب عليها ( صنع في ألمانيا ) لأن ذلك يعني إنها بضاعة ممتازة وتستحق دفع الثمن الباهض لشرائها والتباهي بها ، وهناك دول تجاوزت محن الحروب الأهلية كرواندا وكوريا وكولومبيا ونهضت من جديد وعقدت دول مصالحات تاريخية بين المتناحرين فيها لنشر السلم الأهلي والتعاون والمحبة والتسامح والتفكير ببناء وطن جديد بعيد عن العقد والمشاكل والآلام دون نسيان الماضي الذي يجب أن يكون دروساً تستخلص منها العبر لتكون معبراً إلى المستقبل الأفضل .
في العراق حيث التجارب المرة منذ العهد الملكي عام 1920 لم يجد الشعب العراقي فرصاً كثيرة ليتنفس هواءاً نقياً ووجوداً مخالفاً وكان عرضة للقمع والسجون والجوع والحروب والحصارات وكان مستسلماً للقوى الدكتاتورية مدنية وعسكرية وللفوضى ولسوء الإدارة والتخطيط وكانت الضربة المؤلمة حين تحول العراق إلى ساحة للحرب والتنافس الدولي الإقليمي والمشاكل الطائفية التي حاصرت الناس وحولتهم إلى متفرجين لا حول لهم ولا قوة سوى الإنتظار لوقت أطول لعل شيئاً جديداً يتحقق ويفرح القلوب المكلومة والمعذبة وقد عشنا تجربة طائفية مقيتة مصطنعة دفعنا ثمناً باهظاً لها وفقدنا آلاف الأرواح البريئة التي لا تعوض ومر بمراحل صعبة كانت القنابل والمتفجرات والديناميت والإغتيالات والمسدسات عناوين لها حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم حيث الشروع بنظام حكم متوازن وبعقلية تتوجه إلى الغد لتستخلص الدروس والعبر وتؤسس لدولة المؤسسات التي أراد لها البعض أن تكون دولة المسدسات والسرقات والترهات والمنافسة والصراع والتجهيل وتغييب العقل والإنشغال بالفساد الذي أغنى ناساً وأفقر كثيراً من الناس ولابد أذن من تعاون حقيقي بناء وتصرف حكيم وعقل راجح وتعاون حقيقي للنهوض بالقطاعات المختلفة فما يليق بالعراق هو أن يكون أبناؤه بأحسن حال لأنه يمتلك الثروات والبشر والموارد والطبيعة والتفكير البناء والرغبة الجادة في صناعة المستقبل المشرق لشعب يستحق الحياة .
Fialhmdany19572021@gmail.com